حديث مع وزير التعليم

كل المراحل التي مر بها التنظيم الإداري في شأن التعليم في المملكة؛ كان يلبي حاجة تلك المراحل، والتي تمثل حالات من التجارب التطويرية للتعليم؛ من مديرية المعارف، إلى وزارة المعارف، إلى وزارة التربية والتعليم. إضافة إلى رئاسة تعليم البنات.

كل هذا في التعليم العام. وفي ما يخص التعليم ما بعد العام، فقد تم تأسيس وزارة التعليم العالي؛ لتنظيم إدارة الجامعات ومنجزاتها. ونحن الآن في مرحلة جديدة للتعليم، دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، حين لمَّ شمل التعليم في (وزارة التعليم) والتعليم وحده فقط لا غير.

ومن هنا ينطلق حديثي مع معالي وزير التعليم -كل التعليم- ومن منطلق المسؤولية المركزة، التي لا يمكنها أن ترمي اللوم على الآخر، الذي لم يعد موجوداً.

وسأبدأ المحور الأول للحديث مع الوزير حول: الإسراع في تشريع نظام (قانون) التعليم. إذ ليس من الصحيح أن تكون البيئة التعليمة خالية من القانون الذي ينظم حركتها ويحفظ حقوقها، ويعاقب من يتسبب عليها بالنقص. وكنت قد عرضت هذه الضرورة وأبعادها على وزير سابق (للتربية والتعليم)، لكن الضرورة اليوم تأخذ أبعاداً أعمق في ظل الوزارة الواحدة.

أما المحور الثاني للحديث مع الوزير فهو: السعي إلى تحويل التعليم من المحتوى المعلوماتي إلى المحتوى الثقافي، إذ طبيعة العصر الذي نعيشه، والذي تقتضي روحه أن يشارك الطالب معلمه في الشأن الثقافي وليس فقط في المحتوى التقديمي للمعلومة.

وفي علم الوزير -الموفق- أننا اليوم وغداً وبعده نعيش حالة التدفق المعلوماتي الهائل، والذي هو خارج وهم السيطرة، كما أن هذا التدفق يحمل تطوراً لحظياً للنظريات العلمية والتجارب الإنسانية، وهو ما يحتم على عملية التعليم أن تُغير فكرتها المتقادمة.

ويمكن من أجل ذلك أن يتغير مسمى مقدِّم العلم إلى حالة مترقية، ففي التعليم العام (معلم للابتدائية، ومعلم قائد للمتوسطة، ومعلم رائد للثانوية)، أما التعليم ما بعد العام فله مسمياته الأكاديمية العالمية.

ومع كل التقدير للمعلم، الذي يجب أن يأخذ حقه ودوره، إلا أنه يبقى مقدِّم دورٍ في إنجاز مُنْتَجِ التعليم وهو (الطالب)، وهذا هو المحور الثالث للحديث مع الوزير: حول تحسن جودة المنتَج الأهم (الطالب)، إذ تمثل المنظومة الإدارية من الوزير وكل من دونه في المرتبة مؤسسة في خدمة الطالب.

فمن هو الطالب؟ وماذا يريد هو قبلُ ماذا نريد نحن منه؟ وهل نحن نعده لسد حاجة سوق العمل؟ أرجو أن تتغير الفكرة حول الطالب قبل أن نطالبه هو بتغيير أفكاره. أما المحور الربع -وهو الأخير هنا-، فهو الحديث مع الوزير حول: أهمية تأسيس الوقف العلمي؛ إذ يتطلب الإنفاق على العلم تدفقاً هائلاً في الأبحاث والدراسات، وفي التعليم التجريبي. كما أن الوقف العلمي يخلق مشاركة مجتمعية ومؤسساتية؛ ينشأ عنها ثقافة تقدر العلم ولا تستهلكه.

ومن أجل نجاح الوقف العلمي يجب أن يكون هناك تصور كبير وواضح قانوني ومالي واقتصادي، كأن يتم تأسيس شركة وقفية لديها القدرات والخبرة في هذا المجال. وآمل أن تكون الوزارة حاضناً لكل الأوقاف التي تم تأسيسها في بعض الجامعات أو خارجها.

وأختم الحديث مع معاليكم حول ثقافة المنظومة الجديدة، إذ كانت وزارة التربية والتعليم (سابقاً) ذات ثقافة تختلف عن ثقافة وزارة التعليم العالي (سابقاً)، ومن المتوقع أن التعليم العام سيُفِيد من ثقافة التعليم العالي وخبراته. وآمل أن نرى من إفاداته من يحمل درجة الدكتوراه ويعمل معلماً زائراً في التعليم العام (الثانوي) على الأقل. لكن السؤال الموجه إلى معالي الوزير: ما القيمة المضافة إلى التعليم العالي بعد الدمج؟ ولاسيما أن الجامعات متباينة في تكوين الخبرة، فليست الجامعات العريقة بخبرتها وقدراتها مثل الجامعات الناشئة، ولاسيما التي في مناطق أقل نمواً، والتي حولها أسئلة تطويرية كبيرة، تتجاوز حجم المباني الممنوحة لها.

أرجو أن يكون لهذه الأسئلة مساحة للتفكير، تعطي أجوبة مطمئنة للمستقبل المنظور والبعيد. تحية قلب لك معالي الوزير. وهذه معالم حديث لا يصلح إلا مع العزام في الأمر.

محمد الدحيم

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *