الإعلام والوزير الجديد!

مع تعيين وزير شاب وجديد في منصب وزير الثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية، قد يكون من المأمول أن يكون هناك طموح جديد يليق بإعلام وثقافة إحدى أهم الدول الاقتصادية في العالم.

الدكتور عادل الطريفي شاب محترم، دخل المجال الإعلامي، ونجح في كسب مكانة جيدة في فترة قصيرة من الزمن. فالرجل أتى من خلفية أكاديمية سياسية مميزة، وأداء جيد في الإعلام المكتوب والمرئي، على الرغم من قصر الفترة، إلا أن بصمة الرجل كان من الممكن معرفتها وتقييمها، إضافة إلى ذلك إدراك الرجل الجيد للعلاقات بين الأمم وحوار الحضارات بحكم الفترة التي عاشها في الغرب. وهو الآن يتبوأ منصبا دقيقا وحساسا، لكنه مطالب بإحداث تغييرات جذرية وحادة وجادة لعمل الفرق المنشود.

الأجهزة والأدوات التي «بحوزة» وزارة الثقافة والإعلام ليست بالقليلة، وإن كانت بحاجة إلى طفرة جادة في الرؤية والأهداف. فهناك «خلط» واضح في التوجه، هل الغرض من سياسات الوزارة هو للداخل أم للخارج؟ لأن الإجابة عن هذا السؤال تساعد على تحديد اتجاه البوصلة الثقافي والإعلامي.

من الواضح جدا أن هناك «هدرا» في توظيف الموارد لتحقيق الغايات المرجوة والمطلوبة، فلو تأملنا ونظرنا بتمعن في القناة التلفزيونية الثانية في التلفزيون السعودي، والمفروض أنها موجهة للجاليات (والخطاب المرئي الرسمي الذي تطل به البلاد على العالم)، لوجدنا أنها مادة ساخرة ومضحكة، ولا يمكن أبدا أخذها بمجمل الجد والمهنية والاحتراف في عالم لا يعرف إلا لغة الإنجاز ومهارات التميز، والأجدر إغلاقها إذا لم يسمح لها بأن تكون على نفس المستوى الذي وصلت إليه المحطات المتنوعة والإخبارية الكبرى الناطقة باللغة الإنجليزية، لأنها هي المنافس والبديل المنطقي والطبيعي للمتلقي.

نحن أمام تحد بديهي، وإذا كانت الوزارة غير قادرة على تحقيق ذلك (وهذا ممكن لأسباب مالية أو سياسية)، فالأفضل وقف هذه المحطة وتوجيه المال إلى الإعلام الجديد عبر تقوية وسائل التواصل الاجتماعي، وهي الأقل تكلفة والأكثر فعالية والأهم في عالم اليوم المعقد والمتسارع. وهناك أيضا تحديات من نوع آخر ستواجه الوزارة، على رأسها تكريس شفافية وسرعة توصيل المعلومات عن أنشطة الدولة، والتي تسبب البطء فيها في ظهور «شخصيات» غامضة ومريبة على شبكات التواصل الاجتماعي لتكون هي «المصدر» للأخبار، وباتت بالتالي مطبخا لترويج الأكاذيب والشائعات الموجهة لغايات ومآرب وأسباب غير بريئة أبدا.

وثقافيا، لا بد من توسيع قاعدة معرض الكتاب، والسماح له بأن يعقد في أكثر من مدينة بالمملكة، فالسعودية بلد شاسع تتسع جغرافيته لإقامة أكثر من معرض كتاب في أكثر من مدينة، وهو الأمر الذي كان يحدث في السابق دون مشاكل وتوقف دون تفسير.

وهناك أيضا موضوع السماح بإنشاء دور السينما، تلك القضية التي تحولت إلى موضوع «عقائدي»، ومنعها لا يستند إلى سبب شرعي، فالسماح بالأفلام الملائمة هو مسؤولية رقابية مثلها مثل التي تعرض على القنوات التلفزيونية وعلى «الخطوط السعودية» وغيرها.
التحديات الأهم متعلقة بالدور المتوقع من وزارة ثقافة وإعلام في الألفية الثالثة، وهو صناعة إعلام واع وثقافة مفيدة بعيدة تماما عما كانت عليه قديما، وهذا أقل ما يمكن توقعه من الوزير الشاب الجديد.

حسين شبكشي

نقلا عن “الشرق الأوسط”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *