في وداع «البشت»… أو الوزراء المشاؤون!

البشت أو المشلح هو الزي الرسمي للسعوديين، لكنه لدى بعض المسؤولين الخدميين جزء من الملابس فلا يكاد يخلعه إلا عند النوم حفاظاً عليه من التجعد. ظن بعضهم أن هيبته تنبع من مشلحه فتجاهل عمله، وانشغل بلون البشت وطريقة لبسه والتأنق به، حتى إن كان في جولة ميدانية خدمية يكون البشت فيها مقيداً للحركة وحاجزاً قاتماً بين المسؤول والمستفيد يمنع التواصل علماً أن هواة البشوت يتجنبون النشاطات الميدانية المباشرة خشية اتساخ البشت أو اختلال اتزانه على الكتف وتشويه الأناقة.

البشت زي رسمي مثل الكرافتة لا يتجاوز دوره المناسبات الاحتفالية الكبرى، أما دوائر العمل فهي على خلاف حاد معه فإن استقر بها كان ذلك إيذاناً بخمود النشاط وغيبة الفعل من دون حاجة لمعرفة الإحصاءات ونتائج الدراسات باستثناء وزارات العدل والشؤون الإسلامية والهيئات التي يكون البشت فيها جزءاً أساسياً من الزي وعلامة على المكانة الدينية.

كثير من الوزراء الجدد علاقتهم غير ودية مع البشت فلم يعرفوه في نشاطاتهم السابقة سوى في مناسبات محدودة يكون غيابه فيها علامة عدم احتفاء أو اهتمام، ويرى الخبراء في بروتوكولات البشت وتقاليده أن مظهر معظم الوزراء الجدد لحظة أداء القسم يؤكد أن لا صلة قديمة وأليفة لهم مع البشت وأبرزهم وزير التعليم والصحة والثقافة والإعلام والزراعة والخدمة المدنية.

أشد أعداء البشت من الوزراء الجدد هو وزير الصحة أحمد الخطيب الذي كشف ملامحه بالقول: دخلت الوزارة من دون مشلح وسأغادرها من دونه، وسأتجول من دون نواب. هذه بشارة خير تشير إلى أنه سيكون مفتشاً دؤوباً مطلعاً على أحوال المستفيدين من وزارته، وسيتعرف على الأوضاع ميدانياً من أجل التصحيح.

وزير التعليم الدكتور عزام الدخيّل الذي فاجأ فريقه بصورة «سيلفي» ضاحكة قد لا يكتفي بالاستغناء عن البشت، بل ربما سينسى الغترة كثيراً، لأن مهماته متشعّبة ومتداخلة تجعل من مجرد ارتداء البشت مضيعة وهدراً للوقت.

حين لا تجد صورة للوزير خالية من البشت فاعلم أنه لا يغادر مكتبه ولا يعرف كواليس وزارته، وحين يتحرك في موكب فتيقّن أن الجولة استعراضية للتصوير وليس للعمل، أما إذا كانت صورته في «تويتر» مغلفة بالمشلح ورسمية الطابع فلا تتفاءل كثيراً بإصلاح وتطوير. الأخطر من هؤلاء كلهم الذي يرسل لوسائل الإعلام صورة رسمية معتمدة منه طالباً الاقتصار عليها في كل خبر يخصه أو نشاط وزارته.
ربما تبدو قصة البشت أو المشلح مسألة ثانوية لا تستحق الاهتمام إلا أنها ثقافة لها جوانبها الخطرة، فحين يقع على كتفي مسؤول خدمي تكون النتيجة الأولى قيوداً بيروقراطية ثقيلة وعزوفاً عن الناس وطلباتهم وللبرهنة على ذلك فإن توفيق الربيعة وعادل فقيه من أنجح الوزراء وأبعدهم عن البشت.

لعل وزير التعليم يبدأ من الجامعات فيحظر على مديريها البشت، لأن أصلهم البحث والتدريس المتعارضَين معه، أو لعلهم يتأسّون به فيطوون بشوتهم ويبدأون التجول في محيط جامعاتهم.

السمة الأولى لشريحة عريضة من الوزراء الجدد استناداً إلى جولاتهم الأولى أنهم مشاؤون وهم بذلك سيعملون كثيراً ويحافظون على رشاقتهم في الوقت ذاته.

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *