موقعة تحالف الحجاب الفضائي

ما حدث مؤخراً من حملات وملاسنات ومناظرات بلغت حدوداً سلبية غريبة، على خلفية ظهور الشيخ أحمد قاسم الغامدي -المحسوب على التيار الديني- قبل أيام برفقة زوجته السيدة جواهر، في برنامج “بدرية”، الذي تبثه قناة الـ(MBC)، دون أن ترتدي الحجاب التقليدي المتعارف عليه اجتماعياً، إنما يؤكد أن الحملات المنفعلة التي قادها بعض (الراديكاليين) والمتعلقة بالمسائل الدينية الخلافية، أو تلك المتعلقة بالحقوق المدنية، ليست إلا تحركات مستميتة من أجمل الحفاظ على (الأتباع) واستمرار السيطرة عليهم قدر المستطاع، خاصة وأن الأمر هذه المرة جاء قوياً من أحد المنتمين والمحسوبين على التيار نفسه، ما شكل صدمة قوية لم يستوعبها الكثيرون من شخصيات التيار المؤثرة والمنتفعة ربما، والذين هبوا للدفاع عن مكاسبهم وقناعاتهم بطريقة بدت مرتبكة وعشوائية، حملت في معظمها خطاباً فجاً وغير متصالح مع الآخر واختلافه معهم في ما يجوز الاختلاف حوله، وظهرت لغة بعضهم عصبية مأزومة لم تخل أحياناً كثيرة من الوقوع في مأزق الشخصنة والقذف والشتم صراحة، واللا منطقية في الطرح والتناول أيضاً!

وفي ظل تلك التجاذبات، استضاف زميلنا في صحيفة الوطن الدكتور عبدالعزيز قاسم عبر برنامجه الأسبوعي “حراك” الشيخ أحمد الغامدي محور الحدث، في مواجهة قوية مع ضيوف يحسب بعضهم على التيار المعارض والغاضب، لنشاهد فاصلاً جديداً من الهمز واللمز والتجهيل، ومحاولة إثبات للذات من خلال استثارة المجتمع وتأليبه ضد الشيخ الغامدي.

وعلى ضوء ذلك سارع البعض بالرد بحلقة خاصة بعنوان “الحجاب بين خلاف المجتهدين واستغلال المنافقين”، عرضت على الهواء مباشرة عبر سبع قنوات فضائية دفعة واحدة في التوقيت نفسه! وهذا التحالف الفضائي الكبير له مآربه قطعا!
ولأن “الجواب باين من عنوانه” كما يقول المثل الشعبي، فقد كان واضحاً من عنوان الحلقة المتشنج والإقصائي -الذي برر للمجتهدين واتهم المخالفين بالنفاق- الحالة النفسية الصعبة التي عكسها الحدث عليهم، فذهبوا وفي مشهد غريب إلى نفي الخلاف الفقهي في مسألة الحجاب عند جمهور فقهاء الدين جملة وتفصيلاً، والسعي لتمييع أصل المسألة وتشتيتها بطريقة بائسة!

هذا التحالف الفضائي الأول من نوعه كرس مع الأسف لخطاب متعالٍ فج، أظهر ضحالة وتقليدية طريقة رؤية المختلف مع توجهاتهم وفكرهم، فهذ الخطاب الفوقي المنفعل ليس جديداً في الحقيقة على العقل العربي والإسلامي، ففي التاريخ ما يسرد وقائع تطرف المختلفين، وتعصبهم لما يؤمنون به كأفراد وجماعات على كلا الجانبين، ليظل هذا العقل الذي عانى الأمرين -ولا يزال- يعاني من وقع تغييبه عن معظم العلوم الإنسانية والفلسفية من جهة، ومن فوضى الإفتاء وقيود التبعية من جهة أخرى، وبات معزولاً عن واقع الكثير من مشكلات وقضايا مجتمعاتنا المختلفة، فلا نحن تعلمنا على مر الزمن كيفية التعامل مع إشكاليات وعينا بالمخالف والمختلف، ولا نحن الذين نجحنا في تغليب مذهب الوسطية في تعاملنا كثقافة نصف واعية حتى، على الرغم من تشدقنا الدائم بكوننا أمة وسطية.

إذن لا غرابة في أن ينكر المجتمع بعضه ويقصيه، ويمارس على الآخر سلطة قطعية ليس له منها إلا الرأي والرأي فقط.

صالح الديواني

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *