مَن يحمي الثقافة؟

كل الجرائم لها عقوبات تؤدب المخالفين وتمنعهم من التجاوزات، ما عدا الثقافة التي يعبرها كل هاوٍ ويعبث بها الأطفال، حتى إن كتابة المؤلفات وتمزيقها يوشكان أن يكونا عملين متماثلين. الثقافة – عربياً – مثل الشعارات البراقة الأخرى، يرفعها الجميع ويتنادون بها، لكنهم أول من يهملها ويقفز عليها، هي مسألة نظرية وجزء من رفع العتب الاجتماعي، فلا خدمة للثقافة أو حصانة لها عند الحكومات العربية على رغم كثرة الوزراء وتعدد الإدارات وازدحام جداول العمل. كانت الثقافة عمق المعرفة فأصبحت نظير الأمية، ولأن التعليم العالي تدنى، فلا فرق بينها وبين الأمية في مضمونها الأساس لا القدرة على الكتابة والقراءة.

يزداد، عربياً، عدد طلاب التعليم العالي الذين لا يحسنون القراءة ولا يجيدون الكتابة حتى لو كان تخصصهم لغوياً أو إعلامياً، فما يهم هو الإحصاءات والتفاخر بها واستعراضها، أما المضمون والمحتوى فيكفي الشاب أن يعرف قراءة الكتب الملونة التي تشبه كتب المراحل الأولى، لكنها قد تقذف به إلى حضن إحدى الجماعات المتربصة.

تراجعت القراءة حين أصبح «الكاسيت» طريق المعرفة وبوابتها، ومن الممكن وجود أشخاص مؤثرين كانوا قوالين وليسوا كتّابين.
تراجعت الثقافة حين أصبحت سرقة المؤلفات وتزييف الشهادات لا تثيران الاستغراب ولا تستدعيان العقاب، فالمسألة كلها لا تستحق الاهتمام، وهذا جانب مروع لا يقع فيه مجتمع إلا إن كانت الثقافة خصمه. كثير من الخطابات والدعوات يستهين بالمثقفين والثقافة، ويشوهها من كل جانب، لأنها عار وفساد وعيب إلى درجة تشجيع المبتدئين والعابثين على التأليف والنشر، فتصطف كتبهم إلى جانب العمالقة والمبدعين وربما فاقتهم مبيعاً ورواجاً بهدف إثخان الثقافة وتشويهها ونسف كل اعتباراتها القيمية. الترجمة ذاتها لا تكون ثقافة مشاعة ومشتركة. في المكتبات تتزاحم كتب الدعاة الملونة وترجمات تدريب النفس، وأخرى تبيع صورة صاحبها أو صاحبتها، إذ لا شيء سوى ذلك يمكن العثور عليه. مسابقة القراءة بين الصغار اندثرت، والزمن الذي كانت فيه الكتب ضمن قائمة الجوائز تبخر، فلم يبق سوى الكتب الكرتونية التي تزين المكتبات المنزلية، ما يعني أن الكتاب والمزهرية سواء.

الثقافة في السعودية مثل يتيم يتنقل بين بيوت الإيواء فمن رئاسة الشباب إلى وزارة الإعلام ومع ذلك لا أحد يعرف كيفية التعامل معها أو ماذا يراد منها، وعلى رغم كثرة الخطط والبرامج فإن الثقافة لا حضور لها في أي منهما.

في مصر كان مشروع «القراءة للجميع» عملاً رائداً لزوجة الرئيس الأسبق سوزان مبارك، لكن عدواه لم تنتشر مثل عدوى شعبان عبدالرحيم وهيفاء وهبي. التطرف والانحراف والمخدرات تنمو في بيئة يغيب عنها الكتاب غير المقيد والمشروط، ويبدو أن هذه حال العرب جميعاً اليوم، فلم يبق من القراءة والكتابة سوى الشعارات المرفوعة المكتوبة بخط عريض حتى لا يعجز المرء عن قراءتها.

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *