ماذا فعل الملك عبدالله من أجل الخليج؟

يروى أن أحد الدعاة السعوديين تلقى قبل أعوام عرضاً قطرياً للحصول على الجنسية مع امتيازات أخرى فرفض قائلاً: هل أسلّم نفسي لهم؟ هؤلاء لا يختلفون وإن طال العتب وغداً يتصالحون فأكون الخاسر!

بصرف النظر عن صحة هذه الرواية فإن هذه هي الحال الخليجية دوماً التي جعلت السعودية عام 90 تربط بقائها بسلامة الكويت، ودفعت دوله إلى الدفاع عن البحرين في وجه المؤامرات كما وقفت صفاً واحداً مع عُمان في أزمة التظاهرات، وساندت قطر بصلابة في ملف كأس العالم وأصرت على أن الفوز بالتنظيم حق شرعي لا مساس به.

كان نهار الأحد الماضي قاتماً خليجياً، فاللقاء الوزاري تأجل، والجهد النبيل والجبار الذي بذله حامل راية المصالحة الشيخ صباح الأحمد تعثر، وبدا لأكثر المتفائلين أن المنظومة الخليجية ستتبدل ملامحها كلياً، خصوصاً أن أطرافاً أخرى مستفيدة من هذا الشرخ بذلت جهداً في الفترة الماضية لتعميقه وإشعال أواره.

يبدو أن الملك عبدالله كان منذ البدء يراهن على الشيخ تميم آل ثاني، ويستشعر فيه الرغبة الجادة في إزالة الشوائب لذلك كان ميالاً إلى الصبر والتأني، ثم حين توترت الأجواء بعث إليه وفداً رفيع المستوى في آب (أغسطس) زار الإمارات والبحرين أيضاً، وأثمرت الجولة عن صمت مطبق وتجميد غير معلن للجنة الوزارية المسؤولة عن متابعة تطبيق الاتفاقات الخليجية، وإن لم تتوقف الحملات الإعلامية بين الإمارات وقطر تحديداً. حين حان موعد الاجتماع الوزاري في الدوحة لم يكن مقدراً انعقاده وسط هذا المناخ، وهو أمر طاول القمة الخليجية المقررة بعد شهر.

حين دعا خادم الحرمين إلى قمة استثنائية مالت التقارير إلى أنها ستكون الأخيرة للمجلس بوضعه الحالي مع غياب عُمان عنها، إلا أن المفاجأة أنها كانت القمة الأكثر رشاقة زمنياً، فلم تتجاوز نصف ساعة طوت خلالها أكثر ملفات الخلاف الخليجي تعقيداً وتوتراً، وأعادت اللحمة متماسكة وخلفت ارتياحاً خليجياً واسعاً على أمل ألا تتكرر، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، وما تفرزه من أفعال.

الملك عبدالله زعيم حاسم وحازم في مواقفه كما فعل مع مصر حين اتكأ لها إلى أن تجاوزت أزمتها، وهو فوق ذلك كبير العرب والخليج والغيور على استقراره وتلاحمه. لا أحد يعرف تفاصيل القمة، لكن المؤكد أن الحسم كان سمتها الأساس فخرج الجميع راضين ومتوافقين حتى ليجوز القول، كما ردد كثيرون، أن الأحد كان يوم الخليج أو ولادة جديدة لمجلس التعاون ما يجعله مختلفاً كلياً عن كل المحاولات والتوافقات السابقة المنقطعة والمعلقة.

اللافت أن البيان شدد على النية الجادة في التوجه نحو الاتحاد وتعزيز الروابط البينية والعمل المشترك على الانطلاق نحو «كيان خليجي قوي ومتماسك خاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة وتتطلب مضاعفة الجهود والتكاتف لحماية الأمن والاستقرار بها». وفقاً لصيغة الحسم والتوافق التي خرجت بها القمة فإن السفراء سيعودون سريعاً جداً تأكيداً لهذا التوجه، وسداً لباب التخرصات والتشويش.

شكراً لخادم الحرمين على هذه المعالجة الحيوية، وشكراً للشيخ صباح على دوره الاستثنائي، وشكراً للإمارات والبحرين على تفهمهما وتعاونهما، وشكراً لقطر التي صرّح الشيخ تميم قبل أيام أنها لن تخرج من البيت الخليجي وهو ما حدث فعلاً.

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *