قصة إمام الخبر..لماذا “يطير الكثيرون بالعجة”؟

“طار في العجة” مقولة تعبر – مجازا – عن خفة الشخص بحيث تحمله الريح، والحقيقة أن الكثيرين منا “يطيرون بالعجة” من دون أن نعي الدرس تلو الدرس، أو نحرص على التماس قوله تعالى: (… فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة..)، لنجد أنفسنا وقد تحولنا من ضحايا خدعتهم شائعة أو خبر كاذب أو معلومة غير مؤكدة إلى مشاركين في جرم النقل والنشر دون تبين أو تثبت أو مراعاة لحق من تمسه مثل هذه الادعاءات والمزاعم.

أقول هذا الكلام وأمامي واقعة محزنة طار بها الكثيرون في الصحف والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي وحصلت على آلاف “الريتوت” و”الشير” ولاكتها الألسنة، وهي واقعة إمام الخبر الذي اتُهم بسب المصلين والدعاء عليهم بالسرطان. ولم يتوقف الأمر عند حدود الصحف ووسائل الإعلام الجديد، بل إن الاتهامات السابقة للإمام دفعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى طي قيد هذا الإمام بموجب قرار اللجنة الشرعية لفرع الوزارة بالدمام استنادا إلى اتهام أحد المواطنين له بكل التهم السابقة، لتصدر المحكمة الجزائية بالخبر حكمها أخيرا بإسقاط الدعوى، مؤكدة أن الاتهامات كيدية.

وجاء في صك الحكم: “عدم وجاهة الدعوى وعدم صحتها، ما يستوجب صرف النظر عن هذه الدعوى المرفوعة من المواطن بحق المدعى عليه”. ونص الحكم على أن الدعوى ضد إمام جامع أسعد بن زرارة في حي الجسر (بابيضان) الشيخ ماهر التمّار، “مبنية على الظن والدخول في النوايا، وتفسير المقاصد، في إشارة إلى أن أحكام الشرع في تعاملات الناس لا تبنى على النوايا، فلا يسأل الإنسان عن قصده في تعامله مع الناس. لأن الأمور بظواهرها، ولا يحسن سؤال أي شخص عن قصده، فإن ذلك من التعنت والتكلف الذي لا يليق”.

واستدل الحكم بالآية القرآنية “لولا إذ سمعتموه ظّن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا” إضافة إلى الحديث النبوي: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا”. وصدق الحكم من محكمة الاستئناف في المنطقة الشرقية، التي رأت “عدم صحة الدعوى القائمة”.

والغريب أن خبر تبرئة “الشيخ”، الذي يمارس الإمامة منذ 23 عاما من بينها 9 أعوام في المسجد الذي اتهم – ظلما – بسب رواده، لم يحظ – كالعادة – بما حظي به خبر الاتهام وطي القيد من اهتمام، ما يؤكد أن الكثيرين يطيرون بالأخبار السلبية والشائعات والأكاذيب.

من يرد مظلمة الإمام المكلوم وخاصة أنه حتى الآن ورغم حكم القضاء لم يعد إلى عمله، ولم تصل إليه حتى الآن “العدالة البطيئة” التي هي بالقطع ظلم له بعد التشويه الذي تعرض له خلال الفترة الماضية، حيث لا يزال أمر إعادته إلى عمله قيد البحث بوزارة الشؤون الإسلامية.

والمطلوب الآن على وجه السرعة: إما إعادة الإمام إلى عمله بعد تبرئة المحكمة له أو إيضاح حقيقة ما يخفى على الناس، إن كانت هناك حقيقة بعد حكم القضاء، فغياب الحقيقة أو تأخرها يسمح للكثيرين بأن يطيروا بالعجة.

طارق إبراهيم

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *