“أعدك.. أن يصل صوتك للمسؤول”

في اليوم الأول لانتقاله (إلينا) سكرتيرا للتحرير قادما من الجميلة الأنيقة (الحياة) فاجأني الزميل -حلوة زميل- علي الألمعي باتصال تفاوضي لتغيير ضمائر المباشرة في مقالي ما قبل الأمس إلى ضمائر غائب عائم مبهم. وبالطبع، رفضت الفكرة بعنف وسلاطة لساني المعهودين، ومبررا هذا الرفض حتى (تنحنح) علي الألمعي مقترحا بصوت أجش: أعدك برفع صوتك إلى المسؤول. هو لا يعلم أنه أخذني بسرعة الضوء من حالة الجد والغضب إلى حالة من الضحك الهستيري لأنه أعادني من حيث لا يعلم إلى تاريخي الطويل مع هذه الجملة.

كنت في الخامسة الابتدائية عندما زارنا الشهم المرحوم، صالح العواد، من إمارة عسير ثم تقدم إليه أعيان (شعفنا) بطلب مدرسة متوسطة ترحمنا من الغربة إلى سراة عبيدة. لا زلت أتذكر جملته: أعدكم برفع أصواتكم إلى المسؤول في إدارة التعليم. لا زلت أتذكر حفلة التصفيق المجلجلة لكنني أتذكر أيضا أنني درست المتوسطة والثانوية منتقلا من ظهر حمار إلى (دباب) ثم إلى (عراوي) لأن الصوت لم يصل. أتذكر أيضا، أعيان (شعفنا) بين يدي (مدير الصحة) آنذاك وهم يطالبون بمستوصف في قرية (السبت)، أعاد إلينا نفس الجملة فلا زلت أتذكر عاصفة التصفيق الجارفة بكل سذاجة قروية لم تعرف يومها أنه هو نفسه (المسؤول) الذي استمع للمطلب، مع الوعد بأن يرفعه من بين يديه إلى أذنيه. ومضى بي الزمن أيضا: كنت طالبا في جامعة (جورجيا) عندما قررت الانتقال إلى (كولورادو) ثم هاتفت مشرفي الدراسي (حسين السماوي) فأظهر لي عشرات المحاذير والعراقيل قبل أن يعدني: سأرفع صوتك للمسؤول. لكنني في تلك المرة أخذتها بيدي ولو أنني أرخيت أذني منتظرا تلك المسافة الزمنية الطويلة ما بين (صوتي وأذن المسؤول) لكنت اليوم عامل خراج في سراة عبيدة التي سمع أهلها ألف مرة من قبل: نعدكم أن يصل صوتكم إلى المسؤول.

والخلاصة أو الزبدة أنني أحذركم من الوقوع أو الاستسلام لهذه الجملة الخادعة. هذه الجملة تعني، بخبرتي وتاريخي معها، وأستغفر الله من هذا التشبيه: أن الله خلق المواطن بلسان وحنجرة وحبال صوتية ثم خلق (المسؤول) بأذن خارجية، (مسح) الطبلة والأذن الوسطى ثم (جعل) سبحانه في علاه كل الأذن الداخلية لأي (مسؤول) مجرد لحمة زائدة. لو أنني انتظرت زميلي علي الألمعي كي يصل مقالي (للمسؤول) لما تمت طباعته. والخلاصة الأخيرة أن الفارق بين صوت المواطن وأذن المسؤول مسألة (تشريحية) بحتة. سبحان الخالق القادر المهيمن.

على سعد الموسى

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *