هكذا تتحول المدرسة إلى… قبيلة!

ألم يكن من العيب الاجتماعي، بل من الفضيحة الكبرى، أن يسهر شعب بأكمله على مشاهدة أكثر مقاطع (اليوتيوب) تداولا عن (مراهقي مدرسة ثانوية في شبه معركة بين صفين تحت اسم القبيلة). وسواء صح المقطع أم لم يصح، وإن كنت أشك في صحته كاملاً، ولا أشك في وجود “العصبيات”، فما هو الخلل البنائي الذي أعادنا إلى داحس والغبراء؟ وأي تغذية فكرية وثقافية تلك التي شحنت عقول هؤلاء المراهقين حتى تدخل قوات الأمن للوقوف بين صفين متقابلين إن كان ذلك صحيحاً؟

السبب الأدنى: غياب الحزم، لأن الطالب وحتى المعلم الذي استمرأ هذه المهزلة أو لم يقف لرصدها وصدها لا يستحقان سوى النقل القسري لألف كيلومتر حتى يدركان قذارة أفعالهما حين حولا نعمة المدرسة إلى ثارات قبيلة. السبب الأعلى: هي قنوات الهياط الفضائية التي شحنت هذا الدفق العاطفي الغبي، وهي أيضا مزايدات (المزايين) التي تنهي كل عام فصول غسيل الأموال لتبدأ العام الجديد فصول غسيل العقول بمثل ما شاهدناه بالأمس.

لا مشكلة لدي أبدا أن أكون واضحا صريحا حين أقول إن سبع قنوات من هذه الكوارث الفضائية تعود، وتتحدث، وتنقل؛ تلك الأمجاد الكاذبة لسبع قبائل معروفة.

أقل هذه القنوات، وبالإحصاء، تستقطب من المشاهدين ضعف ما تستقطبه القناة السعودية الرسمية الأولى. درست المرحلتين المتوسطة والثانوية في مدرسة مشتركة لطلاب من ثلاث قبائل نقية، وكنا.. هؤلاء المراهقين (نلحس) دماءنا في بعض المناوشات ولكن: دون حالة واحدة من سجالات ثارات القبيلة. ما الأسباب التي أعادتنا إلى هذه الردة الاجتماعية المخيفة؟

خذ للمثال: عرفت (أبها) وسكنتها قبل أكثر من ثلاثين سنة. نشأت على قصص تاريخها الحضري الحضاري عندما كان رواتها يتناقلون قصص التمازج والتزاوج بين أبناء كل القرى والقبائل التي شكلت ذات زمن نسيج هذه المدينة الأسطوري الذي لا تشبهه مدينة. وللأسف الشديد يؤسفني أن أقول لكم إن السنوات العشرة الأخيرة تقسم هذه الأبهى من (أبها) إلى ثلاثة كانتونات جغرافية وكل (كانتون) مكاني له قبيلة برمزها الرقمي البغيض على جدران هذه المدينة. رحلات الانسحاب من قلب أبها القديم المتمازج المتزاوج إلى مثلثات (الكانتون) القبلي لوحدها تستحق دراسة اجتماعية. حتى ولدي الأوسط الأقرب؛ يرفض الدراسة في أرقى مدارس المدينة لأنها تقع في (كانتون) لا يعود لقبيلته ولا لرمزها الرقمي.

والخلاصة: كنا نتوقع أن تبقى ثارات القبيلة وقصائدها الحمراء البغيضة على قنوات (الهياط) وخيام المزايين فحسب. لكنها اليوم وصلت إلى المدرسة…. عيب.

على الموسى

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *