التأسيس يومٌ ملحميّ .. وجذر تاريخيّ

أحمد بن عبدالله الحسين

التأسيس يوم ملحمي وجذر تاريخي، بُذرت فيها نبتة الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود في بواكير عام 1727م. التأسيس هو ذكرى احتفاء وفخر لكل مواطن، وتعبير لامتداد المملكة العربية السعودية، وإجلال مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود. قرون ثلاثة مضت وفاضت بها أحداث وبطولات وإنجازات، في ظل نفوذ أزمان للأعداء، ونِدّية زعامات، وتفرق إمارات. الدرعية كانت ملاذ الحكم وهي العاصمة، احتضنت إشراقات ولملمت أبناء الوطن الواحد.

الإمام محمد بن سعود المؤسس وذريته، امتدت لهم دولتهم من الخليج العربي إلى البحر الأحمر حملوا الحكمة والحنكة في مسارهم. المؤرخ ابن غنام وصف الإمام محمد أنه؛”بحسن السيرة معروفا، وبالوفاء وحسن المعاملة موصوفا مشهورا بذلك دون من هنالك” حتى قال: “فقد كان كريماً سخيّ النفس، يمتاز بالتأني والروية، ويراقب الأوضاع، ويدرس متغيرات الظروف بعناية؛ فالتف حوله الأتباع، وبذلوا معه الغالي والنفيس لوحدة البلاد”.

حينما نقول التأسيس نتذكر دلالة الكلمة في المعجم وهي من أَسَّ الدار أي إِذَا بنيت حدودها ورفعت من قواعدها، وأُسُّ الإنسانِ وَأَسُّهُ أي أَصله، وكذلك أُسُّ الإنسان قلبه لأنه أوَّل مُتَكَوِّنٍ فِي الرَّحم، وهذا ما يتواكب بمعناه حال المملكة العربية السعودية وإلحاقها بأصل تأسيسها.

الدرعية أُتخذت العاصمة، وهي في سرّة اقليم اليمامة وسط الجزيرة العربية على ضفاف وادي حنيفة المتعرج. وهي تتشامخ مع جبال طويق مرتع وصف الشعراء فامتلئت أعطافها عزة وقوة. الدرعية كذلك عُرفت فيها عبارة أهل العوجاء أو العوجا نسبة لها ترجيحا. والتي يتعالى ذكرها في الموروث الشعبي كصيحة حرب لهم. ولا غرو أن يصف تلك الديار (اليمامة) شاعر المعلقات عمرو بن كلثوم التغلبي قائلا:
واعرضت اليمامة واشمخرت
كأسياف بأيدي مصلتينا

المؤرخ عبدالله بن خميس في كتابه الدرعية ذكر أن محمد بن سعود تولى إمارتها (الدرعية) سنة 1139هـ وتوفي رحمه الله سنة 1179هـ، وقد حكم 40 سنة منها 20 سنة بعد خروج الشيخ محمد بن عبدالوهاب للدرعية، وهو أول من ناصر الدعوة السلفية.

الباحث في تتبع أئمة آل سعود، يجد أن أحد أهم بواعث قيام دولتهم حفظ الأمن ونشره في مختلف أرجاء البلاد وهو ما يسمى في زمنه (الأمنية) كما في خطابات الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ونص خطابه إلى والي العراق بقوله: “وأما الأمنية فهي التي لا نزال نقاتل الناس عليها حتى جعلنا الأرض كلها لله وجميع المسلمين مشتركون فيها، وصار الذئب لا يقدر يضر الشاة في أحكامنا”. ويؤكد الإمام سعود لوالي بغداد العراق علي باشا الكتخدا، أنه متعهد بتحقيق الأمن للحجاج بقوله: “ألا تتعرض للحجاج الذين يأتون إليك من طرف العراق مع الأمنية العمومية في جميع الطرق. ومما يذكر ما أرسله سلطان المغرب المولى سليمان بن محمد العلوي إلى الإمام عبد الله بن سعود آخر أئمة الدولة السعودية الثانية، جاء فيها “الشكر لله، ثم شكر الإمام على تأمين الطرق والسبل وتأديب القطاع والنهاب فقال: “من ملكه الله أزمة العرب، وقيادها فأحسن سياستها وأصلح سيرتها ومهد بلادها ويسر على يديه حسنة أمن السابلة من القطاع والنهاب، وحصل في الدواوين أفضل جزاء وحسن مآل”.
هذا الاستقرار الأمني في مسار الدولة السعودية جذب التداخل الاجتماعي بين البادية والحاضرة والهجرات لتوفر الأرزاق، وهذا امتد إلى تمازج التركيبات الاجتماعية للاقاليم المتنوعة، ولحمة الناس ووحدة هويتهم.

دوّن كثير من المستشرقين وكذلك العرب باختلاف مشاربهم عن الدولة السعودية وشبة الجزيرة العربية. فلك أن تقرأ لإلكسي فاسيلييف المؤرخ والمستشرق المعروف في كتابه تأريخ العربية السعودية ذكر فيه تاريخ دولة آل سعود وتطورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ابتداءً من تأسيسها في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي وحتى ثمانينات القرن العشرين؛ حيث عمل المستشرق فاسيلييف قرابة عشرين عاماً اعتمد فيه على عدة مجموعات من المصنفات التاريخية العربية وضعها مؤلفون من أنصار ابن سعود، وكذلك مؤلفون يختلفون معهم في الرأي، ومراقبون محايدون، ومصادر أخرى هي مذكرات للرحالة الأوربيين والدبلوماسيين والعلماء ورجال المخابرات الذين زارو الجزيرة العربية، ويتطرق الكاتب إلى مراحل تطور بنية المملكة الاجتماعية والسياسية.

ومن هذا الجذر تكوّنت بلاد الحرمين الشريفين بالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود موحد المملكة العربية السعودية عام 1351هـ/1932م، وامتد نهجه في حكم أبنائه وتواليهم إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي يؤكد نهج التأسيس واستمراره بالقول: “جاءت الدولة السعودية لتعيد الاستقرار لهذه المنطقة على نهـج الدولة الإسلامية الأولى، وتوحد أغلب أجزائها في دولة واحدة، تقوم على الكتاب والسنة، لا على أساس إقليمي أو قبلي أو فكر بشري منذ أكثر مـن مئتين وسبعين سنة”.

المتأمل لبلاد الحرمين يجدها حاضنة للماضي والحاضر، وهي تجمع ثلاث قارات، وفيها قبلة المسلمين، ولها حضور حي في المشهد العالمي. وتتجسد بملكها وولي عهده الهُمَامُ وزخم شعبها برامج التحول الوطني في رؤية 2030. وفي صدى يوم التأسيس خاتمة قول لبلد الحرمين وصف الانتماء لها بهذا:
تُمثِّلُ لي الاشواقُ أنّ تُرابَها
وحَصباءَها مِسكٌ يفوح وعِقيانُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *