جاسر الجاسر يكتب عن : كرباج الزوجة السعودية

في زمن مضى كانت المرأة السعودية تمضي خلف ولي أمرها مبتعدة عنه نحو 3 أمتار، سواء في الداخل أو الخارج. ولا تجلس بجواره إلا حين ركوب الطائرة حتى لا يعاكسها أحد، شريطة أن يكون مقعدها إلى جوار النافذة، فلا احتمال أن تمس بشراً سواه.

كان الرجل السعودي لا يذكر اسم زوجته إلا حين كتابة العقد وتجديد البطاقة الوطنية والطلاق في المحكمة، أما ما عدا ذلك فهي «الأهل» و«أم فلان» والعبارة الشائعة «ياهيش»!

فــي التسعينـات كان الخليجيون يتندّرون على المصريين بعد ذيوع حوادث قتل الزوجات لبعولتهن وتقطيعهم وتوزيعهم في أكياس النفايات، كان السعوديون ينكّتون على الكويتيين بسبب سمعة نسائهم في السطوة والجبروت وعلوّ الصوت خليجياً.

حتى ذلك الوقت كان السعودي يعيش مُتع زمن الجواري، إذ رغبته هي الوحيدة ومشيئته هي المطاعة. كان يظن أن الزمن لا يتغير فالنساء لم يتجاوزنه أيام فقره وغناه، ولم يعتدين عليه في فورة قوّته أو ضعفه.

حين تقتل المرأة زوجها فهي تعبّر عن حال غضب طاغية وعابرة، أو حال احتقان شحنها العجز والظلم، فيكون القتل فعلاً آنياً بمثابة رد فعل عنيف قد لا يتكرّر. الضرب مختلف لأنه حال متكرّرة ولا يحدث إلا حين إعلان السلطة المطلقة بحيث يغدو الطرف الآخر (الزوج) خاضعاً جسدياً ونفسياً لقمع السلطة المستحدثة (الزوجة) وعاجزاً عن مقاومتها أو الرد عليها.

في بداية التسعينات حاولت بعض النساء قيادة السيارة في جرأة لافتة، إلا أن المرأة في عام 2014 لم تعد تشغلها هذه التفاصيل فهي تضرب زوجها علانية وبعنف إلى الحد الذي يستدعي التدخل القضائي، فكأن الرجل السعودي خلال هذه الفترة استمرأ الخنوع ولم يعد يطالب سوى بالمعاملة الحسنة وإحسان الضرب حتى لا يدخل دائرة التعذيب والإيذاء، ولعله بذلك سبق جيرانه الكويتيين وزملاءه المصريين.

التاريخ يذكر سطوة الرجل السعودي الذي يستخدم كل أدوات الضرب سواء الصفع أو اللكم أو الركل أو الضرب بالعصا، فضلاً عن لمحة الخصوصية المتمثلة بالضرب بـ «العقال»، لكن كلّ هذه الوسائل تهاوت أمام نظرات أنثى مملوءة غضباً وتحدّياً وإصراراً على المضيّ في المعركة إلى نهايتها من دون خوف وتراجع، ثم تطوّرت هذه «الانتفاضة» من حال العناد والمقاومة إلى مرحلة التعدي والتسلّط بعد أن تبيّن للمرأة أن الرجل الذي كانت تخافه مجرّد نمرٍ من ورق.

أولى حالات التمرّد كانت مع زواج «المسيار» حين تعمّدت النسوة انتقاء أزواج خاضعين للسلطة المالية والاجتماعيّة، فغدا الأزواج مجرد أتباع كأن تتزوج مديرة المدرسة فرّاشها أو طبيبة عاملَ استقبال في مستشفاها.

فجأة سقط جبروت الرجل السعودي وبعد أن كانت قصة تعدّي امرأة عليه حتى إن كان هو المتحرّش بها من الأحداث اللافتة. أصبحت شكواه المستكينة أمام المحكمة من جبروت زوجته حالاً اعتيادية مع أنها قد تستخدم «عقاله» الذي يتزيّن به ويستعرض به قوّته وبراعته في الضرب.

كان السعوديّ في نظر بعض النساء يمثّل وضعية «السيّد» في زمن الجواري، فكيف ستغدو حاله وهنّ ينظرن إليه نظرتهن إلى المماليك؟ وما نفع استعراضاته الدون كونشيتية وهو يسقط حالما ترفع أنثاه قبضتها وتحمّر عيناها؟

سقطت أسطورة الرجل السعوديّ فالمرأة هي التي ترفع كرباجها الآن!

 

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *