أحلام مستغانمي: بين القصيبي ونزار

«لعل في تسلق شجرة الكتابة حكمة، فعدا رفقة العصافير وشم الهواء العليل للكتابة على الشجرة فوائد، قد تكون فرصتي لأقوم ببعض المجهود الرياضي وأنا طالعة نازلة».

بروايتها «ذاكرة الجسد» حلقت الشاعرة والكاتبة الموهوبة النشطة في سماوات الثقافة بما أثير حول الرواية من تقويمات بين السالب والموجب، وكما الضارة النافعة، كانت الادعاءات بكتابة الرواية من الباطن كما ذكر أحد الأدباء إما بتصريح منه أو على لسانه، الذي رفعت عليه خمس دعاوى قضائية، وبسببها أطلق عليها السفير السعودي في ذلك الوقت في لندن غازي القصيبي في أحد اللقاءات الثقافية مداعباً «حمقاء الجزائر» ولكن كانت «فوضى الحواس» الرواية الثانية كما رد قاطع على الاتهامات، وتوالت الروايات والكتابات حتى صارت أحلام مستغانمي منتشرة بكتابتها في المجلات والجرائد العربية بشكل لافت لمن يتابع الحركة الكتابية، وفي طروحاتها حول القضايا الاجتماعية ما يميزها عن سواها في الجرأة والصراحة وطريقة التوصيل التي تتدرج على مستويات كدرجات السلم درجة فوق أخرى، حيث يجد كل مستوى مراده ليتفاعل معه.

في أحدث إصدار لها تحت عنوان «شهياً كفراق» عن دار «نوفل « كانت ترسم ذاتها الاجتماعية والثقافية على وجه أدق كما سيرة ذاتية أو مذكرات، ولكن بطريقة مبتكرة تتشابك فيها النهايات مع البدايات دون إخلال بالمسار الذي يشي بالترابط في السرد للأحداث، وتدبيج الرسائل التي تندرج في المضمون ممثلة الروافد المهمة في بناء العطاء الذي تزينه اللغة الصافية التي تنبئ عن الصدق فناً وخلقاً، شاعرة بدأت، وطرقت باب الفن الغنائي ولكنها لفرط خجلها عندما وقفت لتغني كاختبار أمام لجنة تقويم المتقدمين وخوفاً من أن يعرف أهلها بهذا الأمر «اختفى صوتي تماماً وانقطع نفسي فما استطعت أن أنطق بكلمة» وكان التوجه للقراءة والكتابة والمثابرة عليها مع مواصلة التحصيل العلمي، والنتاج الإبداعي والفكري حتى اليوم.

الكتاب جاء على ذكر اسمين لهما شأنهما في الشعر العربي ومكانتهما الدبلوماسية نزار قباني وغازي القصيبي، كما استشهادات لما واجهت في مسيرتها الثقافية، وسطرت بعض أقوالهما التي استفادت منها كما أشارت: قال لي الراحل غازي القصيبي أنت قلت إنك امرأة كسولة والصحيح أن تقولي «كسول»، وكذلك عندما ذكرت لنزار قباني أن الكتابة هجرتها قال: إنه كل يوم يتهندم من الصباح ويجلس بمنتهى أناقته بمكتبه دون أن يدري ماذا سيكتب تحسباً لمفاجأة إبداعية، وتذكر أنها شكت من أنها تكتب وتمزق ويضيع الوقت مع متابعيها والمتصلين بها من المعجبين، فقال لها القصيبي بسخرية: «الشهرة كالكلبة إن هربت منها لحقت بك وإن لحقت بها هربت منك».

في أمسية شعرية لنزار حضرت الكاتبة ولم تجد مكاناً حيث الحشد الكبير من الحضور، وكانت لم تلتقه لعقدين من الزمن، ذهبت لتسلم عليه في النهاية قال: «رأيت برقاً فقلت هذا أنت» ومن وقتها أصبحت أرى في كل لقاء بعد غياب حالة ضوئية في شكل برق، وفي طرفة تروي أن القصيبي هاتفها بقوله: «يا حمقاء الجزائر أنا في طريقي إلى الرياض أريد أن تتذكري أن أول هاتف جاءك من الطائرة كان مني» ونزار قباني أشيع وهو في مرضه بأنه مات فاتصلت بابنته هدباء التي نفت الإشاعة وعبر الهاتف قال: «أنا الكاتب والشاعر الوحيد الذي أهدته الحياة فرصة أن يبعث حياً ليقرأ ما سيكتب عنه بعد موته».

كاتبة ذكية استطاعت أن تكون لها مكانة في ساحة الأدب غرست الشتلة ورعتها حتى أصبحت حديقة منوعة من الزهور والأشجار تنعش وتشبع نحو اثني عشر مليوناً من المتابعين لصفحاتها على الفيس بوك، ومبيعات كتبها تتجاوز المليونين كما وصفتها الدار الناشرة .

سعد الحميدين

نقلاً عن (الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *