الخيّاط الصحفي الأديب

أبوزهير رحل بصمت بعد أن حرث وبذر وزرع في بستان الصحافة الكثير من الأشجار والزهور المتنوعة طيلة عقود من السنوات العديدة لم يغب فيها عن قلمه المدرار في تناول القضيا الاجتماعية، والثقافية، لقد عرفته منذ أن كنت «أبحلق» في صفحات الجرائد اليومية بداية الستينات من القرن الماضي، كنت أقرأ اسم (عبدالله عمر خياط) تحت صورته في الصفحة الأخيرة من جريدة البلاد في باب «يوميات البلاد» من ضمن أسماء كتاب اليوميات في ذلك الوقت، وهم يختلفون في تناولاتهم للموضوعات العديدة حسب ثقافاتهم وميولهم ورغباتهم وما يرون أنهم يجيدون تصويره بالكلمات.

مع استمرار الخياط في كتابته في البلاد ساهم كذلك في الكتابة في جرائد أخرى تهتم بالمقالة الأدبية والثقافية وخاصة جريدة «الرائد» لصاحبها أستاذي عبدالفتاح أبومدين، وصحيفة «قريش» لشيخ الصحافة كما كان يلقب حينها أحمد السباعي، وكلاهما في الحقيقة كان مشجعاً للأقلام الجديدة والمواهب المشِّرة التي تنبيء عن قادم جديد إلى الساحة يحمل زاداً ثقافياً مغايراً، مما شجع الكثيرين من الناشئة الذين أصبحوا من الكاتبين المرموقين مع الزمن حسب اجتهاداتهم واكتسابهم للمعرفة تحصيلاً منهجياً، أو اكتسابات ذاتية تأتت بالمتابعة والمثابرة، والخياط الذي استقر في «البلاد» بعد أن أردف اسمه تحت صورته في يوميات البلاد بصفته «سكرتير التحرير» أصبحت إطلالاته شبه محصورة في جريدته إلا ما ندر، فقد بادر بكتابة موضوع عن المجموعة القصصية الأولى للكاتب الفنان في أسلوبه وطرحه للموضوعات المتسمة بصبغة رومانسية «عبدالله الجفري» التي صدرت في أوائل الستينات بعنوان (حياة جائعة) وكان الموضوع بعنوان «إن لم تخني الذاكرة « «جفري + حياة = جوع» تضم الموضوع الإشادة بالمنجز الأدبي في وقت كانت القصة توصف فيه بأنها مضيعة للوقت عند البعض فقط، وتجد الترحاب من قبل الأقلام التي تحمل الأفكار المتطلعة إلى الأمام وتشحذ الهمة في مواكبة الثقافة العربية العامة المنفتحة على المستجدات الثقافية والمعرفية والفنية بأنواعها، وأشار في مقاله إلى مجموعة «أمهاتنا والنضال» للقاص والروائي إبراهيم الناصر، ولم يغفل مجموعة «عرق وطين» للقاص والمسرحي عبدالرحمن الشاعر، وكانت المقالة تنطوي على التحليل والعرض بغرض المساندة والتشجيع لهذا والنتاج ومثيلة.

في رئاسته لتحرير جريدة عكاظ جمع بين المخضرمين والشباب، فاستقطب الأقلام التي يرى فاعليتها في إثراء الرأي العام والتي تجلب له القارئين، فكان عبدالله الداري – كمهني – وصاحب تجربة في الصحافة فاستقطبه كمدير تحرير لخبرته الطويلة، وأردفه بسكرتير تحرير لامع ومتوهج ومستشفّ للفن الصحفي العربي هو «عبدالله الجفري» الذي كوَّن معه صفحة جديدة للصحافة تلك الفترة في عملية تحول منسق من صحافة المقالة إلى صحافة الخبر والتحقيق والتنوع، فكانت الزوايا اللافتة «ظلال» للجفري، وزاوية «قطرات» للشاعرة والكاتبة فوزية أبوخالد في بداياتها التي كانت لافتة، ولم تغفل صفحات عكاظ عن الرواد كالشاعر حسين سرحان ومحمد حسين زيدان ومحمود عارف، وغيرهم، فكانت الصفحة السابعة شبه نافذة تطل على حديقة باهرة الألوان، أطل منها كثيرون أذكر منهم مشعل السديري ومحمد عبدالواحد، وعبدالله باخشوين، وعبدالله باجبير وإبراهيم الفوزان، ولا أنسى نفسي حيث استجبت لطلب «أبي وجدي» المشاركة، ومن العكاظيات الصفحة الأخيرة بأخبارها الطريفة وبعضها يبطن الجدية اشتهرت بمسمى «اللغوصة»، ولم يكن «أبوزهير» الربان في غفلة عن طرح القضايا في إجراء الحوارات الصحفية، والأحاديث المهمة مع القادة والمسؤولين في مناقشة ما يهم المواطن، وما يحمل المسؤول من بشائر.

ظل الراحل مع الصحافة بعد عكاظ التي سار معها بقلمه كاتباً زاويته المتنوعة الطرح يمارس نشاطه الذي بدأه شاباً ومارسه كهلاً وضخ خبرته فيه شيخاً حتى لاقى ربه، فوجب العزاء للذوية وللوسط الإعلامي والثقافي، ودعاء بالرحمة له من الخالق العظيم.

سعد الحميدين

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *