تقنيات بناء المساكن

هناك نوعان من تقنيات البناء، اللتين يحصل فيهما التطوير والتحسين المستمر هما: الهيكل الإنشائي للمبنى، وأنظمة المبنى ومحتوياته، وسنركز في هذه المقالة على الهيكل الإنشائي للمباني الذي لم تتغير طريقته الدارجة اليوم في بناء الفيلات والعمائر السكنية ذات الارتفاعات المتوسطة منذ 40 سنة تقريبا، ولم يحصل عليها كثير من التطوير والتحسين خاصة للمشاريع الفردية أو الصغيرة والمتوسطة، وهذا يرجع إلى أسباب عديدة من أهمها ضعف التشريعات والأنظمة التي تحفز الابتكار في هذا المجال وعدم استيعاب الجهات المرخصة للبناء ومواده بأن هناك تقنيات وأساليب جديدة يمكن أن تحل مكان الطرق التقليدية، ولذلك كان لوزارة الإسكان مبادرة جيدة بهذا الخصوص تحت مسمى “برنامج تحفيز تقنيات البناء” وذلك لتفعيل تقنيات البناء المجربة حاليا وكذلك التقنيات المتوقع لها الرواج مستقبلا، وتهدف هذه المبادرة إلى خفض التكلفة والوقت اللازم لإنشاء المساكن، وزيادة جودة الهيكل الإنشائي، وزيادة مساهمة قطاع البناء اقتصاديا، والاستفادة من المحتوى المحلي المتخصص في مجال الإنشاءات وموادها. وفي الآونة الأخيرة انتشر عديد من الصور والمقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة في “الواتساب” توضح أن هناك تقنيات جديدة للبناء توفر الوقت والجهد، ولذلك من الجيد معرفة أنواع التقنيات الموجودة حاليا حتى يستطيع الشخص معرفة تحت أي نوع تندرج هذه التقنيات التي يتم الإعلان عنها، التي من الممكن اختصارها في التالي: نظام الخرسانة سابقة الصنع، الخرسانية الخلوية التي يضاف إليها الألمنيوم ومواد أخرى، القوالب الخرسانية المعزولة التي تصب في قوالب بولسترين، القوالب النفقية عن طريق صب الخرسانة باطار حديدي، والهياكل الحديدية الخفيفة، والوحدات السكنية الخرسانية الجاهزة التي تصنع كوحدات أو غرف في مصانع متخصصة ثم تنقل إلى موقع التركيب، وأخيرا وحدات جاهزة من الحديد الخفيف. وغالبا سنجد أن أي تقنيات بناء موجودة حاليا تدور حول فلك هذه الأنواع المختلفة من التقنيات والأنظمة، لعل بعضها لا يكون أقل تكلفة من الطريقة التقليدية في البناء بالبلك والخرسانة إذا تم حساب متوسط تكلفة البناء للمتر المربع، لكن الميزة تكمن في جودة البناء التي غالبا ما تكون ممتازة بسبب أنها تصنع في مصانع لديها معايير جودة منضبطة، كما أنها موفرة للتكاليف التي تنعكس على سرعة الإنجاز، حيث يستطيع الشخص إنجاز الوحدة السكنية في بعض هذه التقنيات خلال شهر أو شهرين، وبهذا يوفر على نفسه سنة أو أكثر من ايجار سكن آخر أثناء البناء، لكن إحدى إشكالات السرعة أن المبلغ المطلوب للإنشاء يجب أن يكون متوافرا بالكامل خلال مدة قصيرة وليس على دفعات متباعدة كما هو حال البناء التقليدي، أما طرق البناء المستقبلية التي تعتبر حتى الآن تحت التجربة ويجري اختبارها فهي تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للمساكن التي يتم إنجازها من خلال طابعات عملاقة مبرمجة على إنجاز المباني وتستقي معلومات البناء من التصميم الذي تمت إضافته للطابعة، أما النوع الآخر فهو تقنية البناء بالروبوت التي تقوم بإنجاز البناء عن طريق آلات دون تدخل بشري مباشر في عملية البناء، وما يميز هذه التقنيات هو إمكانية تشغيلها على مدار الساعة، حيث إن بعضها يمكن أن يبني وحدة سكنية كاملة كهيكل إنشائي خلال 24 ساعة، وهذا يعني ثورة في مجال الإنشاءات، ولكي نعرف أن هذا الأمر ليس بعيدا عن منطقتنا الخليجية كمدى زمني، فقد أعلنت حكومة دبي عن طريق مؤسسة دبي للمستقبل، برنامج استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تطمح من خلالها أن تكون دبي مركزًا عالميًا للطباعة ثلاثية الأبعاد، وتهدف الاستراتيجية إلى طباعة ما نسبته 25 في المائة من كل المباني الجديدة في دبي بحلول عام 2025 بالاعتماد على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وسيبدأ تحقيق هذا الهدف ابتداء من عام 2019 بنسبة 2 في المائة وزيادة هذه النسبة على نحو تدريجي حتى الوصول إلى الهدف المحدد، وهذا يعني أن هذا النوع من التقنيات التي توفر كثيرا من الجهد واليد العاملة يمكن أن يتم تبنيها خلال السنوات الست المقبلة، وتعتبر دبي قريبة من حيث البيئة والأجواء لأكبر مدن المملكة الرئيسة مثل حاضرة الدمام وجدة والرياض، ولذلك من المتوقع أن تلقى هذه التقنيات رواجا في السوق السعودية بعد أن تظهر نتائجه الإيجابية في دبي، ومع تقبل الجهات الرسمية وتبنيها المستجدات في هذا القطاع من الممكن أن نجد المبادرة على أرض الواقع في السوق السعودية كتجربة خلال السنوات القليلة المقبلة. الخلاصة، من المهم أن يعي المطورون العقاريون والمقاولون هذه التحولات في السوق وأن يحاولوا بشكل متدرج تبنيها واستخدامها وأن يكون لهم السبق في إحضار هذه التقنيات للسوق السعودية وتحويلها إلى منتجات على أرض الواقع، وبحث أفضل السبل وأقل التكاليف لتبنيها وتحفيز سرعة إنتاج العقارات للتمكن من تغطية الطلب المتزايد على الوحدات السكنية والتجارية، والمتأخر في تبني هذه التقنيات والأساليب خاصة من شركات المقاولات الكبرى، يجب أن يخشى أن تكون قصته كقصة شركتي نوكيا وأبل في مجال أجهزة الهاتف المحمول، حيث كانت “نوكيا” مكتسحة للأسواق بمنتجاتها، لكن جاء “أبل” بتقنية جديدة غيرت منظور العالم لفكرة الهاتف المحمول منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وهو ما يحصل اليوم لكثير من القطاعات وقطاع المقاولات ليس استثناء.

م. إبراهيم الصحن

(الاقتصادية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *