قبل رمضان

فلو استطعنا التعاون مع مشاهير الكوميديا وغيرهم ممن أقبل عليهم الشباب والشيب بقلوبهم وأبصارهم، فلربما أثمر ذلك عن توجيه الرسائل المفيدة، دينياً، أو وطنياً، أو اجتماعياً، ولعل ذلك يكون أجدى منفعة من الهجوم عليهم، ومحاربتهم..

يتكرر الحديث قبل رمضان عما يجب وما ينبغي، وما يستحب وما يكره في رمضان، واعتاد القراء قراءة ذلك في الصحف والمجلات، كما اعتاد ذلك المستمعون والمشاهدون لوسائل الإعلام الأخرى، واعتدنا سماع ومشاهدة الإعلانات الرمضانية، من حلقات وبرامج ولقاءات وفوازير، إلخ.

واعتادت الأسر المسلمة التجهيزات المختلفة قبل رمضان، حتى إن كثيرًا من البيوت المسلمة تضع ميزانية خاصة ومكثفة لهذا الشهر المبارك خصوصًا، وأصبح استقبال رمضان بهذه المراسيم المتنوعة أمرًا متعارفًا عليه غير قابل للنقد أو التصحيح!

وأنا لست هنا ناقدًا أو مصححًا وإن كان الأمر يتطلب ذلك، لكني جئت هنا لألفتُ أنظار الكثير من الناس ممن له ارتباط مباشر بتغيير واقع المسلمين ونمط حياتهم في شهر رمضان، ولا سيما أولئك الذين يمتلكون الشرائح الواسعة من الجماهير، من مؤسسات إعلامية، وقنوات فضائية، وإذاعات مسموعة، وصفحات في “الشبكة العنكبوتية” في الفيسبوك، وتويتر، وغير ذلك، وأيضًا أولئك الذين يباشرون إرشاد الناس واللقاء بهم من خطباء ووعاظ، ومقيمي الندوات والجلسات الرمضانية، ألفتُ أنظارهم إلى المسؤولية الجسيمة التي ألقيت عليهم في التحكم بنمط الحياة في أيام وليالي شهر رمضان، وإلى قدرتهم على إحداث التغيير الذي ربما لا تستطيع إحداثه “السياسات” ولا غيرها، فأغلب المسلمين في ليالي رمضان يسلمون عقولهم ويستسلمون بأبصارهم لما يتفنن في عرضه الإعلاميون بشتى اختصاصاتهم، وأخص أولئك الذين تربعت شهرتهم سماء الفن الكوميدي واعتادت الأسر المسلمة الاجتماع لمشاهدتهم في برامج وحلقات انطبعت اسماؤها في الأذهان، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من “فواكه رمضان” التي تقدم في أوقات محددة، ولا شك أن الفكاهة من أقرب الطرق لإيصال المعلومة، ولكن لا ينبغي أن تكون الفكاهة مقصودة لذاتها وما تعود به من أرباح، ويغفل عن ما تزرعه الأفعال والهيئات المصاحبة لها من أخلاق في نفوس الصغار والكبار، حتى يصير ذلك الفنان أو تلك الفنانة محل إعجاب الجيل من الشباب، ويصل الأمر إلى تقليده في كثير من حركاته، وليس ذلك مما يعاب، غير أن المعيب هو إفراغ تلك البرامج والحلقات من هدف يعود على المجتمع بالألفة، والتراحم، وكسب معالي الأخلاق، والاعتزاز بشرف الانتساب إلى الوطن، والتمسك بالأخلاقيات التي تجعل من المجتمع بعد رمضان غير ما كان عليه قبل.

ولا شك أن ثلاثين حلقة أو برنامجًا سيغير الكثير، فكيف إذا كان المسلم يتنقل في ليلته بين تلك القنوات من حلقة إلى برنامج إلى فيلم، إلى …إلى. فماذا ستكون الفائدة إن أحسنت تلك المشارب صنع المادة الإعلامية؟! في الوقت الذي نجد أحدنا يتغير بل يغير حياته ونفسيته بـ “عشرين دقيقة” من خطبة جمعة يحضرها، ولذلك حرص المسلمون أن تكون تلك الخطب مركزة في الأخلاق والعقيدة والآداب التي ينتفع بها المسلمون واجتناب “التعبئة” و “التحريض” المدمر للمجتمعات، وهو أمر جلل، فَلِمَ لا نهتم بما يعرضه أولئك المشهورون وتلك القنوات، وأولئك المخرجون والمنتجون في الساعات الطوال في ليالي رمضان؟!

إن شهر رمضان نفحة من نفحات الله على عباده، وفي الوقت الذي يكثر فيه التذكير بفضل صيامه، وقيامه، وفضل لياليه وأيامه، ورحمة الله فيه، وهو الشهر الذي يقل الشر فيه بتصفيد الله لمردة الشياطين، وفتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار، كل ذلك لا يكاد يخفى على مسلم ويظن أحدنا أن مجرد سماعه يكفيه، والحقيقة أن وراء ذلك شيئًا عظيمًا (لعلكم تتقون) وليست التقوى محصورة في عبادةٍ ما، بل إن إصلاح المجتمع والإسهام بنهضته هو أيضًا من التقوى ولو كان مصدره حلقة أو فيلمًا أو كوميديا أو برنامجًا أو تغريدة! فكل ميسر لما خلق له.

فلو استطعنا التعاون مع مشاهير الكوميديا وغيرهم ممن أقبل عليهم الشباب والشيب بقلوبهم وأبصارهم، فلربما أثمر ذلك عن توجيه الرسائل المفيدة، دينياً، أو وطنياً، أو اجتماعياً، ولعل ذلك يكون أجدى منفعة من الهجوم عليهم، ومحاربتهم، وبالتالي نشر ما قد نرفضه بدعايتنا له، وتعريفنا به، ودائماً أقول: إن التعامل مع الواقع أفضل بكثير من التشكي، والانعزال. هذا، والله من وراء القصد.

عادل الكلباني

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *