الطُّفيْليون!!..

تعج كتب التراث عن مسالك الناس, من فيها طريف لطيف, ومن فيها حزين أسيف,

من فيها مفوَّه طليق, ومن فيه حكيم أنيق..

وفيهم الطفيليون الذين يدسون أنوفهم في كل مائدة, لا يشبعون, لكنهم يأخذون من كل طبق لقمة, ويذهبون بها, ليصنعوا منها طعاما للريح, حيث تتجه تحمل ما تحمله عنهم..

كثُر الطفيليون اليوم, وفي «عجة» وسائل التواصل وجدوا فضاء لريحهم بالصوت, والصورة, بالكتابة والمحادثة, بالتلميح, والتصريح, بالغمز, واللمز..

ومع أن السلوك الذي لا يضبطه صاحبه , قد قُنِّنت له ضوابط وفق منهجية الحياة في تنظيماتها الهادفة سلامة الحياة, وحفظها هادئة, يسيرة, مطمئنة لكل من يدب على الأرض, إلا أن الطفيليين المعاصرين على جميع المستويات, انتشروا قادمين من أنحاء العالم كله, وجعلوا يعيثون بالحقائق, ويخدشونها, ويهيلون العتمة في نفوس البشر, بل يحيلونها إلى دكنة محزنة, أصابوهم بالاضطراب, وأقنعوهم بالأكاذيب حتى في شؤونهم الذاتية..

الحقائق التي كان على منجز الإنسان المتفوق الذي جعل الكون في قبضة كف, ليست عن هؤلاء الطفيليين كاملة الأركان, ولا ناصعة البيان, ولا صادقة على أي الأحوال..

وبدل أن يكون وجودهم في الضوء مفرحا, فهو ليس..

ذلك لأن غالبية الناس تقتات من أطباق هؤلاء دون تفكر, فسرعة الوقت, وتلاحق المعطيات, وتراكمها لا يدع إلا للعاقل أن يتروَّى, وللحصيف أن يغربل, وللخلَّص المخلصين للحقيقة أن يتحروا..

فكل يوم تشرق الشمس, ثم تغرب يتفاقم الكم المذهل فيما يبثه هؤلاء في كل شأن جوهري كالغذاء والدواء, والصحة, والأمراض, والعلوم, والفكر, والمنجزات, والأحداث, والسياسة, والدبلوماسية, والوقائع ,والحروب..

بل تطفل هؤلاء على الإنسان في شهيقه, وزفيره, وضحكته, ودمعته, وحركته, وسكونه…

إنهم ما تركوا منفذا لغبار ركضهم إلا أهالوا عليه من آكامهم..

هؤلاء هم المرض المتفشي الناجم عن التراكمية الكمية في دولبة التلاحم البشري..!

ترى من سيكتب عن طُفيليي هذا الزمن في سجل البشر؟!, مفندا صدقهم من كذبهم, وصوابهم من خطأهم؟!, وغشهم من صفوهم ؟!

لتبقى الحقائق سليمة ما استطاع؟..

د. خيرية السقاف

(الجزيرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *