العبء الاجتماعي.. «تسطيح»!

لدينا أزمة صريحة مع تداول الخبر، هذه الأزمة مزيج ما بين الجهل وانعدام المسؤولية والفراغ، تمريرنا المخجل للأخبار والمعلومات المضللة والروابط المخجلة يشرح كيف أن التلاعب بعقولنا لا يكلف شيئا عدا بضعة أسطر مبهرة وقليل من الكذب المضاف بعناية، ليكون صالحا للتمرير من طبل لآخر، لا يفكر أحدنا ولو بضع ثوان، قبل صناعة البالونات الخبرية، في الفائدة منها وما تأثيرها والمحصلة الختامية من هذا السباق المنتهي إلى مجتمع يسعى بالإشاعة على كتفه ولو كان فيها حتفه.

كثير من التحليلات والتوقعات والأخبار نمررها يوميا بما هو أقرب للحمق وأعلى من الألم، شهوة كبيرة بين أرواحنا للنقل والقص والنشر والتخويف وبث القلق، لا تدقيق على ما يقع بين أيدينا من الأكاذيب المزروعة بعمق ولهدف ما، ولا تغليب للتجاهل وركن وإماتة الباطل مبكراً، ولا نية للصمت حين يكون ضرورة ومطلبا في وقت ملائم لنسج الحكايات والخيبات والمخاوف والسطور الملغمة. ليحسب كل منا إسهاماته في هذا الضجيج الشعبي والتسطيح العام للوعي، وليسأل نفسه: لماذا كان مسهما فيه؟ ولأجل من؟ ما ثمار أن يوزع المنتجات الرديئة ويعلبها في غطاء من انكسار؟ لماذا نسيء التعاطي مع الحراك العام ونجيد التفاعل مع الحراك الخائب؟ رغبتنا في التهويل والسباق نحو المجهول مرتفعة، ولكم أن تتخيلوا تناقضا أكبر من هذا: أحدهم يرسل نصوصا دينية عن أخطار الفتن، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان، والثبات في الأزمات، وعلى هذا النسق، وتجده في أوقات أخرى أول المشاركين في مسرحيات الإشاعات ومسلسلات الكذب سريع التحضير، وباستخدام أقل عدد من أصابع اليد الواحدة.

تابعوا من حولكم، دققوا في ما يصلكم، اضحكوا كثيرا قبل أن تتألموا، وتأملوا كيف أن الرغبة تجري في عقول بعض البسطاء للحضور بمثابة مخبرين أو حاضرين في الحدث، وهم عاجزون عن التفريق بين الكلمات الشهيرة «صحيح، خطأ، ضار، نافع، مؤجج، مطمئن»، يتناسى هؤلاء أنهم شركاء في ما يحدث من ترويج للكذب وتأجيج للفتن، ولا يدور في بالهم كونهم وكلاء بالنيابة وبالغباء لمن يطبخ هذه السموم والخدع على طبق بارد، ثقة منه بأنه متوافر في السوق الاجتماعية من مهمته التوزيع والتلميع والتبرع الدائم بعقله حينما لم يجد شيئا مناسبا ولائقا يفعله سوى المضي في فتنة «جار الكتابة» والانغماس في لعبة مزعجة ركيكة فاضحة اسمها «القص واللصق»، تعلمها الصغار بوصفها فنا تشكيليا، واستوعبها الكبار فعلا تشكيكيا تحريضيا سخيفا.

علي القاسمي

(الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *