الإخوان المسلمون: 90 عاماً من الدم والنار

رأى حسن البنا أن العنف يبقى هو السبيل لحسم السلطة السياسية مع النظام المصري الحاكم، وكذا باقي القوى السياسية التي تنازعه المشروعية الشعبية، ونجده يقول في «مذكرات الدعوة والداعية»: «إن من يشق عصا الجمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان»..

لم تمر الذكرى التسعون لتأسيس جماعة الإخوان «المسلمين» دون استغلالها من طرف التنظيم؛ للتأكيد على استمرار وجودهم على الساحة رغم الضربات المتتالية التي تلقاها التنظيم في العديد من الدول العربية، عجلت بأفول نجم تيارات الإسلام السياسي، وذلك بعدما تم فضح حقيقة المخططات الباطنية لهذه الجماعة، والتي ما دخلت دولة أو بلداً إلا خلفت وراءها رائحة الجثث والدماء والأشلاء.

في هذا السياق، احتفلت فعاليات إخوانية، الأحد الماضي، بالذكرى التسعين لتأسيسها، تحت عنوان «تسعون عامًا من العطاء»، بمركز أمير أفندي الثقافي بمدينة إسطنبول. وشارك في الاحتفال مجموعة كبيرة من قيادات الإخوان في العالم، بينهم «إبراهيم منير»، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، ومسؤول التنظيم الدولي، ورئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس «خالد مشعل». وفي افتتاحه لمداخلات المشاركين صرح إبراهيم منير: «تسعون عاماً مضت من تاريخ الدعوة، دافعت من خلالها عن دين الله عز وجل، ورغم ما وقع عليها من قتل غير حق واضطهاد، فإنها تعتبر ذلك تثبيتاً على طريق الدعوة، ومازالت الجماعة تسعى للفهم الصحيح لدين الله». وحيث إن الكذب والتقية هي من صميم المعتقد عند التنظيم الإخواني، فقد كان من اللازم، من جانبنا، تقديم صورة للقارئ العربي عن مجمل تاريخ الإخوان منذ تأسيس جماعتهم على يدي المرشد حسن البنا بالإسماعيلية في مارس سنة 1928م.

لقد تأسست جماعة الإخوان سنة 1928، كردة فعل عكسية على بيئة إقليمية ودولية تلاقت من خلالها مجموعة من الشروط الموضوعية، أدت إلى الدفع بخروج الجماعة إلى الساحة المصرية. ولقد شكل سقوط الخلافة العثمانية في تركيا سنة 1924، على يد مصطفى كمال أتاتورك صدمة للشعور الجماعي للأمة الإسلامية التي اعتادت على وجود دولة الخلافة رغم استقلالية أغلب الدول الإسلامية عن مركز القرار بالأستانة.

في هذا السياق، ظل حلم الخلافة يراود حسن البنا إلى غاية سنة 1928، حين أعلن عن تنظيم «أسماه الإخوان المسلمين». وقد جاء الإعلان عن هذه الجماعة كمقدمة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:

محاولة استعادة الخلافة.

مواجهة التحديث أو التغريب.

التأكيد على أن ثمة طريق للخلاص من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والهوياتية يتمثل في الالتزام الديني والأخلاقي.

مع ثلاثينات القرن الماضي لعبت مجموعة من الظروف المرتبطة بالوضع المصري الداخلي والإقليمي إلى موجة من «العسكرة» التي عرفتها القوى السياسية من خلال الإسراع بتكوين أجنحة عسكرية لها، وقد ساعد على ذلك ما وقع في مارس سنة 1936، حين عقد حزب الوفد بزعامة مصطفى النحاس باشا، المعاهدة الشهيرة مع الإنجليز، وكان ذلك إيذاناً بانطلاق العمليات العسكرية التي تبنتها الأحزاب السياسية بمختلف أطيافها ضد الاحتلال الإنجليزي.

دفع هذا المناخ المتشنج حسن البنا إلى تبني فكرة إنشاء جناح عسكري لجماعته انطلاقاً من فهمه الخاص للدعوة الإسلامية على اعتبار أن الإسلام «عقيدة وعبادة ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف». ومن هنا جاء شعار الإخوان عبارة عن مصحف وسيفين تتخللهما كلمة «وأعدوا».

من هذا المنطلق، رأى حسن البنا أن العنف يبقى هو السبيل لحسم السلطة السياسية مع النظام المصري الحاكم، وكذا باقي القوى السياسية التي تنازعه المشروعية الشعبية، ونجده يقول في «مذكرات الدعوة والداعية»: «إن من يشق عصا الجمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان». ويضيف في مجلة «النذير» لسنة 1939:»وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملاً ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها».

لقد ظلت ظاهرة اغتيال المعارضين السياسيين من صميم الاعتقاد الديني الراسخ للإخوان المسلمين منذ تأسيس جماعتهم، وفي هذا الصدد يقول محمود الصباغ في كتابه «حقيقة التنظيم الخاص»: «إن أعضاء الجهاز يمتلكون – دون إذن من أحد – الحق في اغتيال من يشاؤون من خصومهم السياسيين، فكلهم قارئ لسنة رسول الله في إباحة اغتيال أعداء الله».

وما على قارئ «الرياض» إلا الرجوع إلى ملف «التاريخ الدموي لجماعة الإخوان المسلمين»، ليقف على حجم الاغتيالات والتفجيرات والإرهاب الذي طبع تاريخ هذا التنظيم الباطني الخبيث، والذي نعتقد أنه يعيش على وقع الاندحار التام كما هو حال فرقة الحشاشين النِّزارية وباقي التنظيمات الباطنية التي عرفها تاريخ المنطقة العربية والإسلامية.

عبدالحق الصنايبي 

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *