زواج القاصرات.. والمنعطف الأخير!

يعود مجلس الشورى غداً (الاثنين) إلى تداول ملف زواج القاصرات، هذا الملف الذي أشبع بالطرح والنقاش والجدل، محاط بالشهرة الكافية، لكون عمره الحركي في ساحة التداول الاجتماعي والرسمي بلغ ثمانية أعوام.

أتفهم طبعاً حساسية الخروج برأي قاطع في ملف كهذا، ونحن الذين نخشى ملامسة كثير من الآراء ونخاف من رد الفعل المجتمعي أشد من الفعل نفسه، لكن ملف كهذا يحمل وراءه جملة من الأوجاع والتأثيرات النفسية والاجتماعية والجسدية التي يجب أن تقرأ جيداً قبل الشروع في رأي منطقي وعقلاني مبني على ما تفصح عنه الأرقام وتتحدث عنه قصص ذاع صيتها مجتمعياً.

في عدد من أوراق جدلنا الموسمي وملفاتنا ساخنة النقاش باردة النهايات، لا نأتي بشجاعة ونطبق التصور الدقيق علينا، ومن بعد ذلك نصدر الحكم أو الرأي، ولنأخذ زواج القاصرات مثالاً تطبيقياً سريعا وفق السؤالين التاليين: من منا يرغب في تزويج ابنته القاصر؟ ولماذا؟

طبعا نحن هنا إزاء الإجابتين (نعم/ لا)، ولكن «التسبيب» للإجابتين يفتح أفقا واسعاً لمعرفة أين نحن؟ وكيف نفكر بالضبط؟

مؤمن أن هذا هو الوقت المناسب لغلق «السباحة» في ملف كهذا، وإيقاف مسلسل بيع الفتيات القاصرات بذرائع لا تصلح لزمننا، ولفوارق جديرة بأن تؤخذ في الاعتبار، وحسابات مختلفة بالكلية عن الحسابات التي نستعيرها من زمن قديم جداً، ولنا أن نقارن فتاة صغيرة الآن بفتاة من السن ذاته قبل 50 عاماً، وندقق في حكاية النضج العقلي، والاستعداد البدني والنفسي لمشاريع الأمومة وتحمل أعباء الأسرة، والتصدي لحياة لن تكون يسيرة على من تكبرها بضعف عمرها فماذا عنها هي؟

لست بصدد الحديث عن المقترحات التي تدور في ملف زواج القاصرات تحت قبة مجلسنا الموقر، فهي مقترحات من شأنها الحد من العبث والمضاعفات والعبء الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، ولكن عجْزنا عن حسم ملف كهذا مع اكتمال التصور العام عجْز مخجل! ويلمح لفشل في حسم ملفات أخرى بالمستوى ذاته من اكتمال الصورة وإن اختلفت في زاوية التأثير.

هذا الزمن الذي يجب أن نتسلح فيه بقوة المنطق لا منطق القوة، وهو الزمن الذي علينا أن نخرج فيه بقضايانا المربكة من خانات العادات والتقاليد والأعراف وضغط الحاجة المالية وجريمة أن نتعامل مع الصغيرات البريئات كسلعة، ومن لا يؤمن بأن زواجاً كهذا يخلف قائمة من الأضرار المتنوعة فهو مشكلة حقيقية في الوعي المجتمعي.

كل الدعوات بأن يحسم هذا الملف، وأعرف أن ثمة من سيقول عن هذا الملف أنه لم يصل لـ«حد» الظاهرة، وكأنه يؤجل الحسم إلى حين وصوله لهذا الحد، ولكن عوداً على جلسة «الحسم» فلن يكون هذا الملف بمنأى عن الإحصاءات والمآسي والقصص والآثار والأضرار والمقارنات، وهي كافية جداً لنهاية عقلانية على الأقل.

علي القاسمي

(الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *