التربيت على كتف الزيف لا يصنع كاتباً

المناخ الثقافي العام وما يستتبعه من حراك وتفاعل له أهمية كبيرة في تقديم صورة جلية للإبداع ولفاعلية النقد وأهميته في تسليط الضوء على المواهب الشابة وقبلها الُمنتّج الإبداعي على تنوّع أجناسه وتقديمه للقارئ المتشوّف لكل ما مختلف وخلاّق ومفارق للمألوف من حيث جمالية التجاوز الفني وارتياد آفاق إبداعية جديدة. ومن هنا تكمن أهمية النقد الحقيقي لا المدرسي أو ذلك النقد الناضح ادّعاء وضغينة؛ بل النقد الفاعل القادر على الاشتباك مع النصوص، لذا فلا غرو أن يكون النقد هو الوحيد القادر على الكلام بينما الفنون جميعها خرساء وفقاً للناقد الكندي نورثروب فراي.

ولعل المتابع للمشهد الثقافي المحلي يدرك حالة الاجتراء والتجاسر التي تصاحب الفعاليات المهمة كمعارض الكتاب والتي تشهد انهمارا منفلتاً وغير مسبوق في الدفع بأعمال رديئة أو بالأحرى جثث كتابية ومزاحمة الإبداع الحقيقي على ندرته الأمر الذي يخلق حالة من الفوضى يكون ضحيتها القارئ الجاد الذي يترقّب مثل هذه الفعاليات.

ظاهرة طرح الشباب لأدبهم وإبداعهم؛ إن كان ثمّة إبداع حقيقي من حيث المبدأ ظاهرة جميلة جديرة بالاحتفاء والاهتمام وشمولها بالرعاية والتأسيس لها بموضوعية وكذلك توجيه مسارها؛ لكن السؤال: ماذا تقدم هذه الطاقات الشابة من إبداع؟ هل يستحق هذه الصفة فعلاً؟ وما تكوين هؤلاء الشباب الثقافي أساساً؟ وماهي أدواتهم المعرفية؟ أسئلة مهمة كثيرة تطرح نفسها وتنتظر إجابة واقعية صادقة لا محاولة التنصُّل والتذرّع بأعذار واهية. لا أعتقد أن هناك من يقف ضد الشباب في أخذ فرصتهم وخوض تجربتهم الأدبية وتفريغ طاقاتهم الانفعالية على شكل فكر وإبداع ثقافي يعكس طموحهم واكتمال مواهبهم ونضجها، لكن الواقع يؤكد بلا مواربة أن ما تم تقديمه لا يعدو كونه تجرّؤ واستخفاف بالإبداع وعدم اكتراث بالقارئ وبالثقافة والفكر عموماً حتى وإن تمظهر بعض المتابعين لنتاج هؤلاء الشباب بلبوس المنافح عن الشباب وحرية النشر والجهر بصوتهم الأدبي بلا وصاية وغيرها من التضليلات التي لا تنطلي على القارئ الحقيقي.

من حق الشاب وغيره أن يجرّب وأن يجد ذاته من خلال التجربة والمعاناة وتكرار المحاولة لكن ببصيرة وتؤده واستعداد حقيقي لا القفز البهلواني على أساسيات الكتابة وأدواتها وأهدافها العميقة.

هذه الفوضى وهذا التشرذم خليقان بأن يتصدى لهما النقّاد والمثقفون والكُتّاب الحقيقيون إذ:

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم

وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

للناقد العربي نعيم اليافي رأي جميل حول الشباب وأدبهم إذ يدعوهم أولاً إلى أن يمتلكوا أدواتهم المعرفية، من خلال القراءة والمعرفة، ويعتبر هذه الدعوة جزء من إيمانه بالتربية، ويقول: لا أستطيع أن أتصور شاباً يتحدّث عن الشعر، ولا يعرف شيئاً عن شعره العربي، فالقراءة وامتلاك التراث، وامتلاك المعرفة بحركة الشعر الماضية، كل ذلك جزء من واجب الشاعر الشاب الآن وفي المستقبل، ولا يمكن أن يكون شاعراً إلا به». ولا شك أن كلام اليافي ينطبق على كل الفنون الكتابية سواء الشعر أو الرواية أو الرأي وغيره.

الخلاصة كلّنا ثقة أن بذل الجهد القرائي وغرف المعرفة من معينها الصافي الثّر سيخلق لنا جيلا قارئا ومبدعا نفخر به أما ما ينطوي على رعونة شبابية واندفاع وقلّة اكتراث فهو واقع فرضه تكوينهم الفيزيولوجي والنفسي المندفع الذي سيتشذّب مع الأيام ويُصقّل، بعد أن يجدوا مُرشدين حقيقيين لمواهبهم بعيداً عن آلة السوشال ميديا التي ترفع أسماء ضامرة المواهب في مجتمع استهلاكي يتلقّف كل ما هبّ من تسطيح ودبَّ من زيف كتابي.

عبدالله الحسني

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *