مواصفات مختلفة

بانتهاء فترة تبادل اللوم والانتقاد الخجول وبدء مرحلة تبادل طرد الدبلوماسيين بين الغرب وروسيا يكون العالم قد دخل رسمياً مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهي المرحلة الحتمية التي تشكل رأس الهرم في سجل طويل من صراع النفوذ الناتج عن اختلاف المصالح والرؤى في معالجة الكثير من القضايا الدولية.

كما هو حال الخلاف وشكله فقد جاء الفعل هذه المرة مبكراً وكبيراً في جوهره وقد يمتد ذلك إلى النتائج المتوقعة منه، فاختلاف الزمان وتطور الآليات كفيلان بجعل هذه المرحلة أشد ضراوة من مرحلة الخمسينات وما تبعها من سنوات تحول فيها العالم إلى ما يشبه ملعباً لكرة المضرب يضم لاعبين في مباراة مملة يتقاذفان فيها الكرة بوتيرة هادئة لإدراكهما أن لا فائز في النهاية إلا من يخطئ التمركز واختيار القوة التي يستخدمها وتوقيت الضربة، وهو ما حدث فعلاً في نهاية تلك المباراة فكان المعسكر الشرقي هو الخاسر بانهيار الاتحاد السوفييتي تاركاً الساحة للاعب واحد فقط.

قرابة 27 عاماً هي المدة التي تفصل بين نهاية الحرب الباردة الأولى وانطلاق الثانية شهد فيها العالم تغيرات كبيرة ودخلت فيها مصطلحات جديدة كأسس للعلاقات الدولية تمثل نضجاً لدى دول وجدت نفسها مضطرة للانضواء تحت لواء أحد المعسكرين وحتى تلك التي أنشأت معسكراً هشاً أسمته (حركة عدم الانحياز).

حرب اليوم لن تكون مؤثرة كما لن تطول كسابقتها التي استمرت خمسة عقود حتى وإن اتسعت دائرة القضايا التي يمكن المناورة من خلالها، فعالم اليوم مبني على علاقات متداخلة يلعب فيها الاقتصاد دور المحدد للتوجهات بعيداً عن الأيديولوجيات التي كبلت دوله في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي كان فيها شعار مقاومة المستعمر وسيلة لقوة خارجية للسيطرة على دولة ما بعد رحيل ذلك المستعمر!

في هذه الحرب لن تكتفي الدول بالتبعية أو الوقوف موقف المتفرج بل ستبحث عن مصالحها وستتحين الفرص لاستغلال ما ينقص كل طرف جراء مواقفه من الطرف الآخر.. حياد العالم اليوم يعني الاستمتاع بمباراة جديدة والدخول لالتقاط الكرات المتطايرة ووضعها في سلة المصلحة، وهذا ما سنعيشه في عالم أصبح أكثر نضجاً بعد أن تخلص من عقدة التبعية والاكتفاء بالبحث عن موقع لاسم دولة في قائمة أطلق عليها الأقوياء (الدول النامية).

عادل الحميدان

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *