متى ترتاح الأم؟

«في يوم الأم».. أكثر موضوع مر بنا في حصة التعبير كان عن الأم، وأكثر الخطب والمواعظ في مجتمعنا عن الأم، ومن يتصفح وسائل التواصل سيقرأ الكثير الكثير عن الأم.

مجتمعنا تحديداً، يعاني من مشاعر جياشة وفياضة تجاه الأم، هو يعلم حق المعرفة كل ما يتعلق بحقوقها وواجباته تجاهها، لكنه في المقابل، هو الأكثر تجنيا عليها في ممارسة التقصير معها، ما تزال علاقتنا بالأم، يكتنفها كثير من المشكلات والمعضلات، وما نزال نرهقها حتى ونحن في أشد حاجتنا اليها، فالكل يريد منها، ولا يسألها ماذا تريد هي منه؟ لا نتحمل منها شيئا، ويجب أن تتحمل كل شيء لأجلنا!

نجبرها على أن تعيش لأجلنا، وننسى أن نجعلها تعيش لنفسها ولو لحظات! إن قررت الزواج بعد طلاق فهي مرتكبة للخطأ الأكبر، وإن طلبت أن تعيش وحدها بعد أن تزوج أولادها، فألف سؤال وسؤال ينتظرها! يخافون عليها ظاهرا، ولكن من الباطن هم يرهقونها ويحبسونها داخل أسوارهم!

ديننا الإسلامي حفظ للأم كل حقوقها، بل ربط رضاها برضا الله وتوعد الوعيد الشديد لمن يعقّها أو يقصر في حقها، بل جعل منزلة رعايتها والعناية بها مثل منزلة المجاهد في سبيل الله، وأكثر.

ولكن المتأمل في تشريعاتنا البشرية يجد القصور والجور تجاه الأم في كثير من أمورها، فكونها أماً لم يشفع لها بأن تكون مسؤولة عن نفسها، بل لا بد لها من ولي أمر تمر أمورها وتنقضي من خلاله، وهذا الولي قد يكون ابنها القاصر، الذي لا يستطيع قضاء أموره من دونها، فكيف يوكل إليه أمرها كله؟

كونها أماً، فذلك لم يشفع لها أمام بعض القضاة أن تتولى أمور صغارها بعد الطلاق بحرية تامة، ما يحدث أنها في كثير من الأمور تكون الحلول الصعبة هي خيارها الوحيد، والغريب أنه حتى في مرحلة الإنصاف واسترداد الحقوق المقرة من الله، ثم من ولي الأمر، هناك من يخلق ألف حيلة وحيلة تعطل تنفيذها أو تؤخره.

وإن تكلمنا عن المرأة والعمل فحدث ولا حرج عن عقبات وعراقيل توضع في طريقها، مثال مضحك على ذلك، بعض الجهات تمنحها تصاريح لمزاولة نشاط ما، وعندما تقوم بزيارة روتينية وتكتشف أن لها مكتبا في مؤسستها تسحب منها ترخيصها لأنه لا يسمح بوجود امرأة في المكان، المضحك؛ لماذا سمحت لها من البداية وكبدتها جهدا ومالا ما دامت ستذلها لمدير غريب لمؤسستها أو وكيل يستغلها أسوأ استغلال! في أية قضية تحرش أو تعدٍّ تظهر في وسائل التواصل هي في نظر كثيرين الملامة دائما، حتى لو دان القانون الرجل! ولا ننسى أنها هي من تتهم لأي تقصير يمس الأسرة، في الوقت الذي أصبحت فيه البيوت لا تخلو من نساء يعملن؛ ليس متعة، وإنما حاجة، لسد حاجات الأسرة ومشاركة الرجل في الإنفاق، تحاسب وكأنها وحدها المسؤولة، وما من أب بالجوار أو إخوة يحملون معها بعض الحمل والمسؤولية.

غريب ألا تُشكر على مشاركتها الرجل في الإنفاق، في الوقت الذي تتهم فيه بهدم البيت وإفساد المجتمع وتضيع الأمانة عند أدنى تقصير، فمهما بذلت من جهد للتوفيق بين البيت والعمل فما من شاكر ولا من مقدر.

الأم لا تريد أغاني ولا قصائد شعر، ولا تريد مقاطع بر مفتعلة، ولا ترغب في خطب عصماء ولا كلمات منمقة، هي تريد كرامة لنفسها وحفظ حقوقها، تريد تاجا يزين حياتها كونها أما أو ستكون في يوم من الأيام أما، تريد أمانا من كل شيء كونها أما، تريد ثقة تستحقها لأنها هي من ربت رجالاً أنكروا دورها بخوفهم المبالغ فيه منها وعليها، بعد أن اشتدت سواعدهم وأصبحوا رجالاً.

الكل مسموح له بالحياة إلا الأم، لأنها يجب أن تحسب حساب كل أحد، فلا تخرج وهناك مريض، ولا تسافر وهناك من يدرس، ولا تذهب وهناك صغار لم يناموا بعد، ولا تجلس وحدها وهناك من يسكن معها، ولو سمحوا لها بالسفر، فلابد أن يسافر معها كل المزعجين، وإن خرجت إلى مناسبة أو سوق، فألف اتصال ينتظرها، وكأن الكون اضطرب لأنها خرجت. مع القرارات المباركة الحازمة والرؤية الحكيمة الواعدة، حان الوقت لتتغير آيديولوجية المجتمع تجاه النساء، لتولد رؤية جديدة للتعامل معهن بصفة عامة والأم بصفة خاصة، ما عادت الحياة تتحمل الصبر كله منها، وما عادت النساء تجد متسعا لكل ذلك، لا بد من سقوط كل «لا» محبطة، وكل «منع» مجتمعي «لا شرعي» جائر يحيط بكل أم، فلأنها أم يشفع لها كل شيء، وتستحق الحياة الكريمة بلا مَنٍّ ولا أذى.

تغريد الطاسان

(الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *