الأسد حاكم يخفي قبضة من حديد خلف مظهره الأنيق

بيروت – أ. ف. ب :

يمزج بشار الاسد الذي يتبوأ سدة الرئاسية في سوريا منذ 14 عاما، واعيد انتخابه لولاية ثالثة من سبع سنوات، بين صورة الرجل اللبق الانيق، والحاكم المستبد الذي يقود حربا بلا هوادة ضد معارضيه.

ولا تعكس البنية الجسدية للرئيس البالغ من العمر 48 عاما، الصورة النمطية للحكام العرب الذين عرفوا بسلطتهم الحازمة. فمقارنة بالملامح القاسية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين أو الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، تبدو ملامح الاسد ذي البشرة البيضاء والعينين الزرقاوين، أقل حدة، وغالبا ما ترافقها ابتسامة خجولة.

وبطوله الفارع وبنيته الجسدية النحيلة، يناقض الاسد الصورة التقليدية لنظرائه العرب. ونادرا ما ظهر بالزي العسكري، بل كان دائم الظهور ببزات رسمية غربية الطراز، مرفقة بربطة عنق أنيقة.

ولا ينطبق هذا المظهر على الصورة التقليدية لزعيم يحكم بلاده بقبضة من حديد، وقائد اعلى لقوات مسلحة بنيت على عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يحكم البلاد منذ العام 1963.

ونهار الانتخابات الرئاسية التي اجريت الثلاثاء في مناطق سيطرة النظام، بدا الاسد باسما ومرتاحا لدى ادلائه بصوته مع زوجته اسماء في دمشق. وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورة له وهو يقف الى جانب شبان وشابات يقومون بالتقاط صور ذاتية لهم معه (سلفي) بهواتفهم الخليوية، يرجح ان تكون التقطت في مركز الاقتراع.

وفي نتيجة متوقعة، اعلن رئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام الاربعاء اعادة انتخاب الاسد، بعد حصوله على 88,7 بالمئة من الاصوات.

وتبدلت حياة طبيب العيون السابق بشكل جذري العام 1994، اثر وفاة شقيقه الاكبر باسل الذي كان يتم اعداده ليحكم البلاد خلفا لوالده الرئيس حافظ الاسد، في حادث سير قرب دمشق.

واضطر بشار للعودة من لندن حيث كان يتخصص في طب العيون، وحيث تعرف الى زوجته أسماء الأخرس المتحدرة من احدى ابرز العائلات السنية السورية والتي تحمل الجنسية البريطانية، وكانت تعمل مع مصرف “جي بي مورغان” في الوسط التجاري في لندن.

في سوريا، تدرج الاسد في السلك العسكري قبل ان يتتلمذ في الملفات السياسية على يد والده الذي وصل الى سدة الحكم العام 1970، والذي تحول رقما صعبا في سياسة الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي.

وورث الاسد الابن عن والده الطباع الباردة والشخصية الغامضة. ومع وفاة حافظ الاسد العام 2000، خلفه بشار وهو لم يزل في الرابعة والثلاثين من العمر، وتم التجديد له لولاية ثانية من سبع سنوات في استفتاء في 2007.

في بدايات عهده، ضخ بشار الاسد نفحة من الانفتاح في الشارع السوري المتعطش الى الحرية بعد عقود من القمع. الا ان هذه الفسحة الاصلاحية الصغيرة سرعان ما أقفلت، واعتقلت السلطات المفكرين والمثقفين المشاركين في “ربيع دمشق”.

في 2011، ومع اندلاع احتجاجات مناهضة للنظام منتصف آذار/مارس، بدا الاسد غير مستعد للتفريط ولو بنذر يسير من سلطته. وبعد اشهر من اعتماد اجهزة الامن الشدة في التعامل مع المتظاهرين السلميين، تحولت الاحتجاجات نزاعا داميا.

وخلال النزاع الذي اودى باكثر من 162 الف شخص وهجر الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوى احياء كاملة بالارض، اثبت الاسد تصلبه في رؤيته للأمور.

في اطلالاته، يظهر هادئا، باسما، وواثقا من قدرته على الخروج منتصرا في النزاع غير المسبوق. ويتحدث الرجل ذو الشاربين الخفيفين، بنبرة خافتة لا تخفي حزما لجهة الارادة الثابتة في “القضاء على الارهابيين”.

ومنذ بدء الاحتجاجات، يقدم الاسد الحركة المناهضة له على انها “مؤامرة” تدعمها دول عربية وغربية.

ويدير الاسد الاذن الصماء للمنظمات الدولية التي تتهمه بالمسؤولية عن ارتكاب “جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب”. ويؤكد ان هذه المنظمات “لا توجد لديها وثيقة واحدة تثبت بأن الحكومة السورية قامت بارتكاب مجزرة ضد المدنيين في أي مكان منذ بداية الأزمة حتى اليوم”، متهما الطرف الآخر بارتكابها في كل مكان.

على المستوى الشخصي، يبدو الاسد واثفا من خياراته. ويقول احد رجال الاعمال المقربين من النظام انه “بعد ثلاثة اعوام من الحرب، لم تظهر تجعيدة واحدة على وجهه، او شعرة بيضاء في رأسه”، عازيا ذلك لكونه “واثق بانه على صواب وسينتصر”.

ويؤكد الاسد، وهو أب لولدين وفتاة، انه لم يغير من عاداته اليومية، وانه لا يزال يقيم في منزله في دمشق ويعمل في مكتبه في وسط العاصمة، كما يرافق في بعض الاحيان أولاده الى المدرسة.

وباستثناء الاستقبالات الكبيرة، لا يحبذ الاسد التواجد في “قصر الشعب” الرئاسي الذي بني في عهد والده. ويقول احد المقربين منه ان القصر المؤلف من تسع غرف نوم “كبير جدا. وهو يفضل حميمية مكتبه”.

واذا كان الاسد معروفا اجمالا بأجوبته المقتضبة على اسئلة الصحافيين، فانه يسترسل لدى الحديث عن اولاده. وقال خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس في كانون الثاني/يناير انه “ليس من السهل” تفسير ما يحصل في سوريا لهم، مشيرا الى انهم “تأثروا” بالنزاع الذي هو “حديث يومي” في العائلة.

وتنشر الصفحة الخاصة بحملته الانتخابية على موقع”فيسبوك”، صورا له مع افراد عائلته، ويظهر في احداها وهو يتنزه مع اولاده وقد ارتدى سروال جينز و”تي شيرت” زرقاء اللون. بينما بدا في اخرى وهو يركب دراجة هوائية مرتديا ملابس رياضية.

ويؤكد الرئيس السوري انه لم يفكر يوما “بالهروب”. وقال لفرانس برس “لا يوجد خيار للهروب في مثل هذه الحالات، يجب أن أكون في مقدمة المدافعين عن هذا الوطن”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *