حصة الأسد لمخرجي أمريكا اللاتينية في مهرجان فينيسيا السينمائي

حصدت سينما أمريكا اللاتينية حصة الأسد من جوائز الدورة 72 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، بعد فوز مخرجين منها بجائزتي المهرجان الاساسيتين المعروفتين باسم الأسد الذهبي والأسد الفضي لمخرجين من فنزويلا والارجنتين.
وفحرت لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج المكسيكي الفونسو كوارون (مخرج فيلم “جاذبية” الحاصل على الاسد الذهبي لمهرجان فينيسيا وعدد من جوائز الأوسكار)
مفاجأة كبرى بمنح جائزة المهرجان الكبرى (الأسد الذهبي) لمخرج غير معروف عن فيلمه الطويل الأول، وهو فيلم “عن بعد” للمخرج الفنزويلي لورينزو فيغاس.
إذ لا تضم سيرته المهنية في موقع بينات السينما المعروف باسم (IMDb) سوى هذا الفيلم الروائي وفيلم قصير طوله 13 دقيقة، وشكر من المخرج المكسيكي اليخاندرو غونزاليس انتاريو (الحاصل على الاوسكار وأسد فينيسيا الذهبي عن فيلمه الرجل الطائر “بيردمان”) عن مساهمته في فيلم “21 غرام” الذي كتب السيناريو له المخرج الارجنتيني غييرمو أريغا، والذي شكره بدوره ايضا عن مساهمته في فيلمه “السهل المحترق”.
وبهذا الفوز يصبح فيلم “عن بعد” أول فيلم من فنزويلا ومن القارة اللاتينية يفوز بجائزة مهرجان فينيسيا السينمائي.
وحصد فيلم “العشيرة” او “العائلة” (The Clan) للمخرج الارجنتيني بابلو ترابيرو على جائزة الأسد الفضي التي تمنح لأفضل مخرج في أفلام المسابقة الرسمية.

المخرج لورنزو فيغاس في المنتصف ومعه الممثلان الرئيسيان في فيلمه “عن بعد” إلى اليسار لويس سيلفا وإلى اليمين الفريدو كاسترو
ويتناول الفيلم مخلفات الحكم الديكتاتوري في الارجنتينن عبر رصد حياة أحد وكلاء الشرطة السرية (يؤدي دوره الممثل غييرمو فرانسيلا) يواصل ممارسة أساليب الاختطاف والابتزاز التي كان يمارسها ابان الحكم الديكتاتوري، فيتزعم بعد التحول الديمقراطي عصابة تقوم باختطاف الأشخاص الاثرياء وأقاربهم وطلب فدى من عوائلهم، ويحول الابتزاز إلى مشروع عائلي مشركا أبناءه في عملياته، ومستفيدا من تخادمه مع الأجهزة الامنية وحمايتها له، إذ يحاول مسؤولون فيها انقاذه حتى بعد أن يسقط في قبضة العدالة.
وردا عن سؤال وجه إلى كوارون عن مدى تأثيره في قرار اللجنة ومنح هذه الجوائز لمخرجين لاتينيين، أوضح أن له صوتا واحدا في اللجنه وأنه “حتى لو أردت (دعم أمريكا اللاتينية) فأن الأمر يستلزم مؤامرة أكبر”.
ونجح في فيغاس في أن يدخل مدخلا قويا إلى عالم السينما في محاولته الاخراجية الأولى وفي اختياره العمل في منطقة ملتبسة، وشخصيات لا تكشف عن نفسها ودوافعها بسهولة، تتأرجح بين مشاعر المثلية الجنسية والعقد والمشكلات السايكولوجية والرغبة في الانتقام التي تغلف بغلاف من علاقة إنسانية تنمو ببطء وروية بين أرماندو الرجل الذي يعمل في صناعة أطقم الأسنان، ويتمتع بمستوى مادي جيد وايلير الشاب المنتمي لبيئة فقيرة، الحيوي والنشط والعدواني في الوقت نفسه.

المخرج الارجنتيني بابلو ترابيرو الحاصل على جائزة افضل مخرج في المهرجان عن فيلمه “العائلة”
ويبدأ فيغاس فيلمه بمتابعة بطله أرماندو وهو رجل في منتصف العمر لا يستطيع أن يبني علاقة جنسية سليمه بسبب عقدة من طفولته، فيقوم باصطياد شباب من الأحياء الفقيرة يمارس الاستمناء على أجسادهم، من دون علاقة جنسية مباشرة، بعد إغرائهم بالمال.
ويتعلق أرماندو بالشاب الفقير ايلير الذي يعمل في (سمكرة) السيارات، على الرغم من أنه يعامله بعدوانية ويضربه. كما يسرق ايلير نقوده عندما يحاول ارماندو غوايته وأخذه الى بيته، وتتكرر محاولات السرقة والضرب من ايلير غير مرة لكنه في كل مرة يعود إليه مقدما له المال وطالبا صداقته فيما يبدو للوهلة الاولى من دون مقابل.
ويبدأ ارماندو مع ايلير علاقة غريبة قائمة على إغراقه بالعطاء له من دون مطالبته باي شيء، وتنتهي هذه العلاقة بترويض عدوانية الشاب ايلير وتعلقه بأرماندو، وهذا الترويض ما يحرص مخرج الفيلم على تقديمة ضمن قالب مشوق وغامض وبلمسات انسانية معبرة.
ويلعب فيغاس بذكاء على الاختلاف في طبيعة الشخصيتين: تأني وعقلانية وتردد وتخطيط ودهاء أرماندو للوصول إلى أهدافه، واندفاع الشاب إيلير وتهوره ونهمه للحياة وشهوانيته، فهو يقوم بقتل والد أرماندو لمجرد تعبيره أمامه برغبته في التخلص من والده، الذي لا نراه الا عن بعد في عدد من المشاهد في فنادق أو مطاعم اوفلل فخمه ما يوحي بأنه برجوازي ثري.
ولا نعرف أي شي عن عقدة أرماندو إزاء أبيه، لكننا نرى صور الام تملأ ثنايا شقة ارماندو.
وبعد قتل الأب يمارس ارماندو وإيلير الجنس لأول مرة، لكن أرماندو لا يتوانى في صباح اليوم التالي عن إبلاغ الشرطة بمكان قاتل ابيه ليلقوا القبض عليه.
وينجح فيغاس في أن يغلف هذه الحبكة البوليسية والطريق إلى الجريمة بحكاية علاقة طافحة بالعواطف والمشاعر الإنسانية المتناقضة.
وقد برع الممثل التشيلي الفريدو كاسترو في تقديم أداء ساحر لشخصية أرماندو، حرص فيه على تقديمه بطريقة حيادية دائما لا تعكس اي مشاعر انفعال او مشاعر انسانية محددة، فبدا وكأنه يرتدي قناعا محددا يكسو وجهة دائما بتعبير حيادي غير منفعل أو معبر عن مشاعر حتى في اشد اللحظات انفعالا (عدا ذلك المشهد الذي ينفعل به ويجرح نفسه بسكين لكننا نكتشف في النهاية أن هذه اللحظة لم تكن انفعالا خالصا بقدر ما كانت للتأثير على الشاب ايلير وكانت حاسمة في قلب موقفه.

لجنة التحكيم والمخرج لورنزو فيغاس في حفل ختام المهرجان
وكان اختيار الشاب لويس سيلفا البالغ من العمر 21 عاما موفقا جدا، إذ نجح في أن يقدم صورة عن شاب متهور من شباب الأحياء الفقيرة المسحوقة متقنا حركات وايماءات واشارات هذا النمط من الشباب.
“آفاق”
ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة لفيلم التحريك الآمريكي (ستوب موشن) ” أنوماليزا” للمخرجين تشارلي كوفمان ودوك جونسن عن رجل يعاني من عدم قدرته على الاتصال بالبشر الآخرين وإقامة علاقات انسانية معهم، إذ يعتقد أنهم متشابهون جميعا ويراهم كأنهم شخص واحد، حتى لحظة تعرفه على الفتاة ليزا التي يرى أنها متفردة ولا تشبه الاخرين.
وحصد الممثل الفرنسي فابريس لوتشيني جائزة أفضل ممثل عن أدائه دور القاضي الذي يحب طبيبة تكون ضمن فريق المحلفين في المحكمة التي يرأسها في فيلم “ليرمين” (حيوان الفاقم البحري) من إخرج كريستيان فينيسنت.
وكانت جائزة أفضل ممثلة من نصيب الممثلة الإيطالية فاليريا غولينو عن فيلم “من أجل حبك” للمخرج غيوسيبي غوادينو.عن امرأة في نابولي تعمل في مجال المسلسلات وتكافح في حياتها بين أطفالها الثلاثة وزوجها الغامض الذي يمارس أعمالا غير شرعية.
كما ذهبت جائزة مارسيلو ماستروياني لأفضل ممثل واعد للممثل إبراهام عطا الذي مثل دور صبي يتم تجنيده في صفوف ميليشيا تحارب الجيش في دولة أفريقية في فيلم المخرج كاري فيوكوناغا “وحوش بلا أمة”.

الممثلة الايطالية فاليريا جولينو الحاصلة على جائزة أفضل ممثلة
ومنحت لجنة التجكيم جائزة خاصة لفيلم “ابلوكا” للمخرج التركي إمين آلبير، وهو من انتاج تركي قطري، وجاءت هذه الجائزة مفاجاة أخرى في أن تمنح جائزة لفيلم غاب عنه التميز وحمل الكثير من عيوب السينما في بلدان الشرق الاوسط.
وذهبت الجائزة الرئيسية في تظاهرة آفاق الموازية للمسابقة الرسمية لفيلم “فري ان ديد” للمخرج الامريكي جيك مهافي، وجائزة الإخراج للمخرج البريطاني برادي كوربيت عن فيلم “طفولة قائد” وهو إنتاج بريطاني هنغاري مشترك عن قصة للأديب الفرنسي جان بول سارتر.
ومنحت لجنة جوائز تظاهرة آفاق جائزة خاصة لفيلم “نيون بل” للمخرج غابرييل ماسكارو وهو من انتاج البرازيل واروغواي وهولندا.
ومنح فيلم طفولة قائد ايضا جائزة “لويجي دي لورنتيس” او جائزة “أسد المستقبل” التي تقدم للمخرج الواعد عن فيلمه الاول، وتشمل تقديم مبلغ 100 الف دولار مناصفة بين المخرج والمنتج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *