سوق العمل والحاجات الملحة

تحقيق السعودة ضروري وحتميٌ في سوق العمل ومطلبٌ يستدعي تكاتف الجهود بين القطاع الخاص من جهة، والجهات الحكومية من جهة أخرى.

الأعداد الرسمية لعدد العاطلين السعوديين من الشباب والفتيات حسب مصلحة الإحصاءات هو 651 ألفاً لعام 2017، ولهذا فإن التوجه لتحقيق المطلب العام لملايين الخريجين الأكاديميين يتعدى الحملات الإعلامية لتلميع أدوار جهات معينة لسعودةٍ مزيفة ومقنّعة، إلى فرضها عُنوةً على جميع الجهات وتركيزها على الشركات الخاصة.

غالبية السعوديين يعملون بوظائف بعيدة عن تخصصاتهم وغالبية القطاعات ما زال غائباً عنها التنظيم، وما زال التستر يسيطر عليها بشكل كبير؛ يصل لما يقارب 84 ألف من حوالي 200 ألف منشأة متوقع أنها تحت التستر التجاري، ومن أهم سلبياته الضرر الاقتصادي، إذ أنه مصدر رئيس لخروج الأموال من خلال تحويلات الأجانب العاملين فيها.

فجوة كبيرة بين مهارات الأيدي العاملة السعودية حالياً وبين متطلبات سوق العمل، ومن العيب المكابرة على ذلك أو محاولة تلطيف الأمر ومراكمة أعداد العاطلين عن العمل عاماً بعد عام، نتيجة عدم الإعتراف صراحةً بهكذا خلل جسيم؛ هذه الحقيقة المرُة جاءت نتاج سنوات عديدة كابرَ فيها مسؤولون كُثر عن الإعتراف بذلك ابتداء من مراحل التعليم الأولى؛ فيما أن الكفاءات المحلية المتمكنة والتي تمتلك مهارات إبداعية تنافس نظيرتها من أي جنسية أخرى، جاءت بفعل مقوماتٍ إجتماعية أو تحفيزاتٍ خارجية لا علاقة للجانب الأكاديمي بها ولا بمعطيات فرضها السوق.

سعودة الوظائف مَهمةٌ من الدرجة الأولى وليست مطلباً شعبياً، ومُحالٌ النجاح في السعودة عشوائياً أو بجهودٍ فردية، بل هي تحتاج للبدء من الصفوف الدراسية، ومن الفئات السنية الصغيرة.

الرهان هنا مائة بالمائة على أنها حلٌ لمشكلة قديمة والذي سيزيد من مصداقية الأرقام هو البدءُ بالسعودة من المناصب العليا ومناصب أقسام الموارد البشرية بالكامل.

على سبيل المثال، تجارة سوق التجزئة في المملكة وحدَها ما زالت تقليدية بنسبة 50% مقابل 20% في عدد من دول الخليج، حيث تتسم سوق التجزئة في المملكة بمحدودية التجارة الحديثة والإلكترونية فيها، فيما أن أحد المستهدفات بحلول عام 2020م أن يضيف القطاع مليون فرصة عمل للمواطنين، لذلك يجب على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية توطين 17 قطاعًا بشكل كامل أو جزئي خلال الفترة المقبلة.

وجود كفاءات سعودية في تلك المناصب يعني زرع ذراع ثانية تعمل جنباً إلى جنب مع وزارة العمل السعودية لتفعيل نجاح السعودة، لو كان هناك برنامج لدعم توظيف المناصب العليا في القطاع الخاص ومرتبط بمحفزات حقيقية، سيكون ناتج ذلك عمليات توظيف وتطوير حقيقية للأيدي العاملة المحلية في جميع المستويات.

ببساطة السبب هو أن الموظف السعودي في المناصب العليا سيكون أكفأ وأقدر على تقديم حلول جذرية إبداعية في عمليات توظيف الأيدي العاملة السعودية من نظيره غير السعودي، ليس لتقاعس الأخير في العمل أو عدم كفاءته وإنما هي المسؤولية والغيرة الوطنية في المقام الأول، ولأن تفعيل المواطنة من خلال الموظف السعودي في مناصب عليا لن يكون بمثابة عائق في إنجاح التوطين.

قد نختلف على طرق تفعيل التوطين، ومن إحقاق الحق الإعتراف بأنها صعبة ولكنها ليست مستحيلة؛ لو طبّقنا التوطين الفعلي للوظائف عن طريق تأهيل الموظف السعودي ليكون قادرا على تبوء المهام بكل مهنية واقتدار، إذ أن الخدمة المدنية ووزارة العمل مسئولان عن تأهيل الكوادر الشابة لسوق العمل بالتظافر مع الجهات التربوية بكل مراحلها الدراسية، لخلق بيئة جاذبة لكل الجهات الوظيفية بمن فيها شركات القطاع الخاص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *