خلّك ذيب

هناك من المسؤولين، أو الناس بعامّة من لديه موهبة في أعمال، وممارسات الذيابة، وما عليه إلا صقل هذه الموهبة بموضوع، أو اثنين، أو موقف أوموقفين، حتى يسلك في دروبها، ويتعلم خفاياها، وفنونها.

فهو يمارس عمل الذئاب كهواية في البداية، لأن لديه الإمكانات (القابلية والمهارات) ثم يحترف ويصقل موهبته بالإحتكاك بمن سبقه في هذا الميدان الفسيح، فتكون حياته مابين يقظة، وهرولة، ومراوغة وانقضاض، وصيد حسب المهمّة، والهدف يستخدم الإمكانات، والمهارات.

وهناك من يحتاج لتوصية والد، أو أخ، أو قريب، أو صديق، أو زميل عمل، بين الحين والآخر وتذكيره بكلمة: خلّك ذيب كلّما عزم على القيام بأمرٍ مّا، أو تمّ تكليفه بمهمّة مّا.

هذا النوع غالبًا إمّا أن يكون مفتقدًا للمهارات الخاصة بأعمال الذئببة (إن صح التعبير) لذلك يحتاج للتذكير في كل مهمّة ذئبية، مع تزويده ببعض الأمور المساندة حسب نوع، وقيمة، وصعوبة، وسهولة، ونظامية، وعدم نظاميّة تلك المهمّة.

أو أن يكون غير مقتنع بالطريقة الذئبية التي ينبغي عليه الإلتزام بها قبل، أو أثناء، أو بعد مباشرة  أعماله؛ سواء في مجال عمله حكوميًّا كان أم خاصًا، أو من خلال مجالات الحياة بعمومها والتي تحتاج لبناء علاقات حسب المقام، وحسب النيّة، إلًا أن المجتمع أحيانًا يضغط عليه، ويطلب منه أن يكون ذيبًا حتى وإن لم يطلب منهم المشورة، أوالمساعدة.

إذاً هو على سجيّته، ووفق قناعاته، ومبادئه تسير حياته، ويسيّر أمورَه، يعمل بوضوح، وأمانة، وصدق، وشفافية، ولايغفل عن استخدام أساليب المجاملة المحمودة بوجوهها المتعددة.

فمكارم الأخلاق وبخاصة حسن الخلق، والبشاشة، والتبسّم في وجوه من يتعامل معهم في كل أمر، كلها من الأمور التي يمارسها بجبلّة واقتناع.

لأعودَ إلى ما أردت الإضاءة عليه، وهو الذيب الذي نحن بصدد الحديث عنه، وبخاصة الذيب الأمعط في حركاته، وسكناته، الخبير في توقعاته، وقراءاته.

هذا الذيب الأمعط، وقد بينت مصادر التراث، والأدب الشعبي معنى المثل الشعبي [فلان ذيبٍ أمعط]، قال الدكتور الأديب عبدالكريم الجهيمان (رحمه الله) في كتابه الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب: “الذيب معروفٌ بذكائه المفرط، وجشعه، وشرهه، وكثرة إفساده، إذا وجد الغنم فإنه يقتل منها كلَّما يستطيع قتله، فيأكل ممّا قتل، ثم ينقل الباقي إلى أمكنة متفرقة فيخفيه فيها، ثم يعود إليها إذا جاع، فإذا رأى الناس إنسانًا، جشعًا، حريصًا على أخذ، وامتلاك كل شيء، سواء كان ذلك حلالًا، أو حرامًا، فإنهم يقولون عنه إنه ذيب أمعط”.

إذاً هذا المثَل: الذيب الأمعط، يعتبره البعض مزيّةً للشخص، ومدحًا له، بغض النظر عن الموضوع، والبطل، والضحية، والصواب، والخطأ. والبعض يراه قدحًا وعيبًا، فالحق أبلجُ، والخطأ تمجّه الأفهام السليمة.

إذًا الذيب الأمعط حتى في علاقاته يعمل وِفق مقياس الربح، والخسارة، ثمّ فائدة يكون في الصورة، ويهرول لها أينما كانت، كثيرًا مايقولون: الذيب ما يهرول عبث.

حساسية الحواس الخمس لدية عالية جدًّا. تكمن خطورته إذا ماتسنّم منصبًا، أو أخذ مسؤليةً مّا،  فأخذ يفسّر الأنظمة، واللوائح حسب المقاسات التي تتلائم ومصالحه.

ليس ذلك فحسب وإنما يقف بالمرصاد لكلّ من يحول حول الحمى، الوزارة، أو الإدارة، أو أي عمل، هو حماه. جعله مُلْكه يتصرف بنظامه وفق ما يصبّ في مصلحته أولاً. هو نعم تهمُّهُ مصلحة العمل، ويبذل جل وقته بتطويره، ولكن وفق مفهومه، ومصالحه فقط.

أخطر مهاراته استخدام صلاحياته بإقصاء من يقف أمام مصالحه، ويعطّل طموحاته، وخططه التي يذهب بها بعيدًا ليحصد القريب، أو العكس. دهاؤه السلبي يعميه عن النظر إلى بعيد. القمة وفق مفهومه لاتتّسع للكل.

غالبًا هو من يعطّل التنمية. فهيئة مكافحة الفساد إحدى الهيئات التي تلاحقه في محميّاته التي سوّرها حسب مصالحه الشخصية.

أرى أن الذيب الأمعط هو ذلك المسؤول في عمله، أو العلم في مركزه؛ الذي لا يركن إلى الدّعة، والخمول. تراه متأهبًا، يقظًا، جسورًا، ذكيًّا، دائمًا يضع الأمور في نصابها. ليس بالخبّ، ولا الخبّ يغلبه كما قال سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

ونرى هذه الصفات تنطبق على عدد من الذين اتفق الغالبية على أمانتهم، وحسن سيرتهم، وسلوكهم في مجال عملهم كأديبنا، ووزيرنا الدكتور/ غازي بن عبدالرحمن القصيبي _رحمه الله_ والذي أحسبه، والله حسيبه من أولئك الأفذاذ الذين اتصفوا بأحسن صفات الذئاب كالذكاء بالحق، والجسارة على ردع الظلم، والدهاء، والحنكة في استخدام الموارد، والطاقات، والجرأة في اتخاذ القرارات، والسرعة بتعطيل أي اجراءات، أو قرارات تحول دون الوصول إلى الأهداف العامة التي تحقق المصالح العامّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *