خولة الكريع تهاجم تخاذل لبنان : السعودية الكريمة تصبر ولكن لا تنسى

جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ

كثيرون من يلبسون أقنعة مخالفة لما تضمره سريرتهم، بعضهم يجيدون لبس قناع المحبة والصداقة؛ لدرجة أن تعتقد بأنهم أصدقاء حقيقيون، لكن الأيام تأبى إلا أن تُظِهر الحقيقة التي قد يصعب علينا رؤيتها في وقت الرخاء، ويتعذر علينا كشفها لنبلنا وكرم أخلاقنا، وكذلك لقدرة أولئك على لبس القناع بطريقة مبدعة يستعصي معها التمييز بين القناع والوجه الحقيقي.
أستحضر هنا ما قاله الإمام الشافعي في تلك الأبيات المسطورة من ذهب:

جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ
وَإِنْ كَانَتْ تُغَصِّصُنِي بِرِيقِي
وَمَا شُكْرِي لَهَا حَمْداً وَلَكِنْ
عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي

بالفعل، في وقت الشدائد تبدأ الأقنعة بالتساقط، وتظهر الأوجه الحقيقية لمن يدعون أنهم أصدقاء.
مؤلم أن تنقشع تلك الأقنعة عمن كنا نعتبرهم أصدقاء مقربين منا، وقفنا معهم في شدائدهم ودعمناهم إلى أقصى الحدود، ضحينا لأجلهم بالكثير فقضاياهم كانت قضايانا وهمومهم همومنا، وعندما جاء التحدي، الذي نحن قادرون بعون الله على التصدي له بكل قوة وعزة ومنعة، تساقطت أقنعة المحبة والصداقة، وبدؤوا بالتنحي بأنفسهم عما يحصل لنا، لا بل تمادى بعض أولئك المدعين إلى توجيه سهام التشكيك والانتقاد لما نقوم به من حق مشروع وطبيعي في الدفاع عن تراب بلادنا الطاهرة والمحافظة على أمنها واستقرارها.

لا أتحدث هنا عن أميركا، التي بدأت في عهد أوباما بإدارة ظهرها لحلفائها وأصدقائها للتودد إلى رأس الفتنة إيران، لأني على يقين أنه بعد أن يودع أوباما البيت الأبيض، الذي عمل جاهداً للمحافظة على وهج جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها، سيسطر التاريخ عن سلبيات فترة رئاسته، من دون النظر إلى وضعه الشخصي وحصوله على تلك الجائزة، وسيسجل في عهده عن تخلي أميركا الدولة العظمى، عن دور القيادة والريادة العالمية، وعن إخلائها الساحة لمنافسيها ليثبتوا أقدامهم وتكون لهم الكلمة العليا.
إنما الحديث هنا عن لبنان، وامتناعها عن التصويت على القرار الذي أصدره وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم الطارئ في جامعة الدول العربية، الذي تضمن إدانة الاعتداءات التي تعرضت لها البعثة السعودية الديبلوماسية والقنصلية في إيران، ثم تصريح وزير خارجيتها غير المتوازن، الذي مرة يتحدث عن حقوق الإنسان، ومرة عن اتفاقات فيينا للعلاقات الديبلوماسية، وتبريره الخجول لعدم التصويت والإدانة.

فما قمنا به من أجل لبنان من دعم على مدى عقود ليس مجال للاستعراض وبسط الحديث عنه، لكن من الواضح أن الأولويات في لبنان أصبحت ضبابية، ولعل الحال اللبنانية تعد أنموذجاً لاختطاف الأوطان التام، على حساب مصالح الشعب بأسره، وتوظيف هذا كله ليعمل لمصلحة طائفة تمسك بزمام الأمور بقوة السلاح الخارج عن شرعية الحكومة، فبات واضحاً أن الإرادة السياسية الحرة المتوازنة التي تقوم على مصالح الإنسان اللبناني ومحيطه العربي تلاشت، وحل مكانها إرادة ميليشيات وخطاب الغوغاء، وصوت عربي بلسان إيراني فارسي، لا يكترث إلا بمصالح من هو عميل لديه.

هنا لا يمكن لا للمملكة ولا لأي من دول الخليج العربي، وهي التي كان لها اليد الطولى في دعم لبنان، في أحلك ظروفه سواء الاقتصادية أم حتى لرأب الصدع عند وقوع أي خلافات بين أطيافه المختلفة، أقول لا يمكن أن يستمر مثل هذا الدعم والرعاية، ولبنان يغرد خارج سرب الإجماع العربي، التي لن يكون آخرها امتناعه عن التصويت في جامعة الدول العربية، الذي يعد بمثابة رفض إدانة الاعتداء الإيراني السافر على سفارتنا في طهران والقنصلية في مشهد.

كنا نتوقع من الأصدقاء مواقف مشرفة ومساندة لنا تشابه رقي مواقفنا معهم، ولكن بالفعل جزا الله الشدائد كل خير، التي أعطتنا الصورة الجلية لمن هو معنا صديقاً ومن هو ضدنا، ولكن نحن من النبل لا نسميه عدواً لأنه ليس من شيمنا المعاداة بسهولة، فنحن نرى ونحلل ونتأنى قبل أي قرار نصدره، ولكن لهؤلاء وغيرهم، الرياض الحليمة الكريمة النبيلة تصبر ولكن لا تنسى.

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *