الحل يبدأ في صعدة

بمناسبة عام على قيام دولة داعش، كتب د. توفيق السيف مقالة يطالب فيها بالإصغاء إلى نصيحة الإمام علي بن أبي طالب “اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غُزِي قوم في عقر دارهم إلاّ ذلّوا”، وترجمة ذلك على الأرض هو أن تتضافر الدول العربية والخليجية مع الحكومة العراقية، مهما كانت سيئة أو معيبة أو ناقصة، من أجل تحقيق مهمة محددة، هي القضاء المبرم على إعصار التوحش الذي يوشك أن يقضي على مكاسب قرن من المدنية والنظام في بلادنا وجوارها، ويتم ذلك عبر استهداف داعش في رأسها، أي عاصمتها الموصل.

ورغم الثغرة الواضحة في دعوة السيف، المتمثلة في الارتكاز على الحكومة العراقية الفاقدة للصفة الوطنية الجامعة، والمتهمة بفساد أثار جمهورها عليها وبتعنصر طائفي كسر معنى الدولة وقيمتها مقويا داعش ومنفّرا مختلف المكونات العراقية، إلا أن دعوة السيف باستهداف داعش في عقر دارها جديرة بالتأمل وبالاهتمام، “فلو واصلنا سياسة التفرج والانتظار فقد نضطر لمحاربة التنظيم، ليس في الموصل، بل في كل شارع ومدينة على امتداد الخليج”.

المطلوب باختصار هو أن تتمدد عملية الحزم والأمل لتشمل صعدة نفسها، بهدف تجريد الميليشيا الحوثية من قدراتها العسكرية التي تهدد اليمن وجواره اليوم، مع عودة الحكومة اليمنية، ورئيس الجمهورية ونائبه إلى عدن، نتذكر وصية الإمام علي التي نبّهنا إليها السيف، قطع رأس الأفعى بغزوها في عقر دارها، وهي هذه المرّة صعدة.

في عهد الرئيس علي عبدالله صالح، دارت بين الحكومة اليمنية والحوثيين ست حروب، تخلّلها صراع مباشر بين الحوثيين وبين المملكة العربية السعودية، ومن سخرية القدر، أن يتحالف خصوم الأمس (صالح والحوثيون) ضد الشرعية اليمنية بعد الثورة التي أنهت حكم صالح بهدف إعادته إلى السلطة ووضع اليمن تحت المظلة الإيرانية تحكّما في باب المندب واستهدافا لدول الخليج وعلى رأسها المملكة، الأمر الذي أدى إلى قيام تحالف عربي ذي صبغة دولية لإعادة الأمور إلى نصابها، فتمخضت عن ذلك عملية عاصفة الحزم ثم عملية إعادة الأمل.

لقد كلفت العملية العسكرية والسياسية لنصرة الشرعية اليمنية ضد تمرد (صالح-الحوثي) أثمانا بشرية ومالية وتنموية باهظة، وتكلل ذلك -ولله الحمد- بتراجع التمرد وعودة الشرعية إلى عدن، والجهود منصبّة هذه الأيام تخطيطا وعملا على تحرير صنعاء، ومن خلال سياق الأحاديث التي يتداولها المختصون والمحللون، يبدو أن صنعاء هي المحطة العسكرية الأخيرة في عملية الحزم والأمل، وأرجو أن لا يكون ذلك صحيحا.

لقد جربنا الحوار أكثر من مرة مع الحوثيين قبل الثورة اليمنية وبعدها، وقامت الدولة اليمنية بواجبها وأكثر، وقامت دول خليجية بالتوسّط مرة تلو أخرى، وبعد كل ذلك لم تتحقق جدوى، فالمشروع الإيراني المستقوي يمنيا بالسلاح الحوثي أعاق الجهود المخلصة والنوايا الحسنة.

لقد أرادت إيران من الحوثيين نسخة يمنية من “حزب الله” المتمركز في لبنان، لكن الحالة الحوثية أكثر صراحة من حزب المقاومة الإلهي الذي يتلطى بعباءة إسرائيل ليمارس إجرامه وإرهابه في لبنان وسوريا والعراق واليمن ودول الخليج، أما الحوثيون منذ انخرطوا في المشروع الإيراني فهدفهم واضح ومعلن ومحدد، المملكة العربية السعودية، رغم العلاقات التاريخية الجيدة بين الطرفين سابقا.

بنظرة سريعة إلى الخريطة ستتضح الصورة لكل ذوي البصيرة، فدول الخليج تطوقها إيران شرقا بمضيق هرمز، وشمالا بالعراق وبسوريا وبلبنان، واستهداف اليمن في النطاق الإيراني يغلق الجنوب والغرب، وأمام هكذا مستوى من الخطورة، لا بد من الحل الجذري لا المسكنات المؤقتة.

إنه صراع سياسي صرف وليس حربا طائفية، فالمراجع الزيدية متحفظة بشدة على توجهات الحوثيين عقديا وطائفيا وسياسيا، كما أن هذه المراجع تحظى بعلاقة ممتازة مع المملكة ودول الجوار السنية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، والهدف من دخول صعدة ليس القضاء على الحوثيين أو الزيدية، إنما تجريد الميليشيا من سلاحها وعمالتها للخارج لدفعها بالقوة إلى الانخراط الطبيعي في العملية السياسية مثلها مثل غيرها من مكوّنات اليمن، والأهم من ذلك إعادة الاعتبار والهيبة للدولة عبر تأكيد احتكارها لقراريْ السلم والحرب وحق الإكراه المشروع.

إن عملية عاصفة الحزم وشقيقتها إعادة الأمل جاءت مكلفة لأنها أتت متأخرة، وما دمنا قد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيحة فلنصل نهايتها لتحقيق الهدف المنشود والسليم.

أعرف أن ثمن قطع رأس الأفعى باهظ جدا فوق ما تم تقديمه منذ اللجوء إلى الخيار العسكري، لكننا كلما سوّفنا وتباطأنا سترتفع الكلفة أضعافا مضاعفة أمنيا وسياسيا وماليا وعسكريا، بل ربما نصل إلى مرحلة نعجز فيها عن القيام بواجبنا وحقنا في الدفاع عن أنفسنا وجوارنا ومستقبلنا فتذهب أرواح جنودنا سدى، والتجربة اليمنية ستفيدنا لاحقا في غيرها، لذلك يجب أن نستمر حتى نخرج إيران من اليمن والعراق وسوريا أو نهلك دون ذلك اليوم أو غدا.

إما أن نحاربهم في صعدة الآن أو نحاربهم قريبا في جدة ودبي ومسقط، إما أن نخرج إيران من صعدة أو تخرجنا إيران بداية من صعدة.

أحمد عدنان
نقلا عن “العرب”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *