“فورين أفيرز” تكشف التفاصيل الكاملة لخطة تفجيرات الخبر وكيفية القبض على “المغسل”

الرياض – متابعة عناوين:

كشفت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية التفاصيل الكاملة لعملية تفجيرات الخبر التي وقعت في عام 1996، وألقي القبض على منفذها أحمد المغسل في منتصف أغسطس الماضي، وناقشت أحداث التفجير والاعتقال وتبعاته وتوقيته.

وفي مقالة للباحث ماثيو ليفيت، كبير باحثي معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ترجمه موقع “عربي 21” اليوم الأربعاء ، بدأت المجلة المقال بالتمهيد للعملية، قائلة إنه “في منتصف أغسطس، وفقا لعدة تقارير إعلامية، أُلقي القبض في بيروت على أحمد المغسل، القائد العسكري لما كان يسمى (كتائب “حزب الله الحجاز”) والعقل المدبر لتفجيرات “أبراج الخبر” في عام 1996، حيث كان يعتقد أنه عاش في ظل حماية “حزب الله” اللبناني”، وتم نقله إلى المملكة العربية السعودية”.

ووصف ليفيت المغسل بقوله إنه “رجل يتمتع ببنية جسدية صغيرة، حيث يبلغ طوله خمسة أقدام وأربع بوصات ويزن 145 رطلا”، مشيرا إلى أنه “متهم بتدبير واحدة من الهجمات الإرهابية الأكثر عنفا التي نفذتها إيران ووكلائها ضد الولايات المتحدة، وقام بتنفيذها شخصيا”.

ويهدف مقال ليفيت إلى إجابة عدد من التساؤلات، منها “ملابسات القبض على المغسل، وتوقيت القبض عليه، فكيف تم القبض فجأة على رجل هرب من الاعتقال لحوالي 20 عاما؟ وعلام يدل هذا الاعتقال الذي أتى على خلفية الصفقة النووية الإيرانية، وفي سياق تصاعد التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية وبين حلفائهما في لبنان؟”، بحسب تعبيره.

وأوضح ليفيت أن “المسؤولين في بيروت والرياض وواشنطن لم يؤكدوا بعد القبض على المغسل، لكن لا يخفى على أحد أن المحققين السعوديين والأمريكيين كانوا حرصين لسنوات على القبض عليه، فقد اتهم المغسل في المحكمة المحلية للمنطقة الشرقية من ولاية فرجينيا في الولايات المتحدة بالتفجير، كما أن “برنامج المكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية عرض مبلغ خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله”.

يُذكر أن المغسل كان معروفا لدى السلطات السعودية حتى قبل انفجار الخبر، لهذا السبب هرب من المملكة العربية السعودية في التسعينيات متوجها إلى بيروت؛ حيث قام، حوالي عام 1993، بعمليات التآمر والمراقبة التي من شأنها أن تؤدي إلى الهجوم على القوات الأمريكية وقوات التحالف المتمركزة في “أبراج الخبر” عام 1996.

المراقبة

وبدأ ليفيت في مقاله مع “فورين أفيرز” بذكر الأحداث؛ إذ قال إنه “في عام 1993، خلص “مكتب التحقيقات الفدرالي” الأمريكي في وقت لاحق إلى أن المغسل أعطى التعليمات لخلية من “حزب الله الحجاز” للشروع في مراقبة الأمريكيين في المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أن عناصر “حزب الله ” قضوا ثلاثة أشهر في مراقبة الأهداف الأمريكية في الرياض، ورفع تقارير المراقبة إلى المغسل، الذي التقى بالعناصر لاستخلاص المعلومات منهم شخصيا.

وتابع بالقول: “بعد ذلك أطْلع المسؤولين الإيرانيين على هذه التقارير، وفي أوائل عام 1994، وسع “حزب الله ” المراقبة خارج الرياض، لتطال المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. وفي أواخر عام 1994، وبعد مراقبة واسعة النطاق في المنطقة الشرقية من السعودية، حدد العديد من عناصر “حزب الله السعودي” “أبراج الخبر”، في مدينة الخبر، على وجه خاص، كموقع هام للجيش الأمريكي”، مشيرا إلى أنه في تلك اللحظة “ركز المغسل على هذا الهدف، وقدم الأموال بسرعة لغرض صريح، وهو العثور على مكان يمكن لـ”حزب الله السعودي” تخزين المتفجرات فيه في المنطقة الشرقية”، بحسب المجلة.

وتواصلت مراقبة أبراج الخبر، إذ احتاج المغسل للتأكد من أن يتمكن من تهريب المتفجرات من لبنان، عبر الأردن، إلى المملكة العربية السعودية لتنفيذ العملية. وحان الوقت لاختبار هذه العملية، على الرغم من أنه قيل للسائق المستأجر لهذه المهمة، فاضل العلوي، أنها المهمة الحقيقية. ولم يدرك هذ الأخير أن المغسل كان يختبره سوى عند عودته.

ونقل ليفيت أنه “في وقت لاحق من ذلك العام، أي في أكتوبر1995 تقريبا، ظهر رجل أمام باب العلوي في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية وسلمه خريطة لمجمع “أبراج الخبر”، وأبلغه الزائر أن المغسل يريده أن يتحقق من دقة الخريطة. وعندما عاد الرجل لاسترداد الخريطة في وقت لاحق، ترك رزمة صغيرة تزن حوالي كيلوغراما. ولم يحتاج العلوي إلى التحقق من هذه الرزمة، واحتفظ بها إلى أن اتصل به المغسل مع تعليمات لتسليم الحزمة إلى شخص آخر”.

وأردف الباحث الأمريكي بأنه “في أواخر خريف عام 1995 ومرة أخرى في أواخر عام 1995 أو أوائل عام 1996، عاد ناشط “حزب الله ” إلى بيروت للتشاور مع المغسل حول مؤامرة الخبر”، مشيرا إلى أنه خلال أول هذه الاجتماعات، أحضر المزيد من تقارير المراقبة إلى المغسل وعلم لأول مرة أن “حزب الله” سيهاجم أبراج “الخبر” بواسطة شاحنة صهريج محملة بالمتفجرات والبنزين.

أما في الاجتماع الثاني، فبدأ المغسل بتوزيع الأدوار العملياتية لمختلف أعضاء الخلية. وناقش الحاجة إلى تكديس كمية من المتفجرات تكفي لتدمير صف من المباني، وأشار إلى أن “الهجوم كان لخدمة إيران عبر إخراج الأمريكيين من منطقة الخليج”، وفقا للائحة الاتهام لوزارة العدل الأمريكية، بحسب ليفيت.

وحول أسباب نجاح العملية، أوضح مقال المجلة أنه “وفقا لجميع الاحتمالات، فإن ما سمح لأعضاء خلية “حزب الله” السعودي” بالقيام بهذه الجهود لعمليات المراقبة بنجاح دون الكشف عنهم، كَمَنَ في تدريبهم المسبق في لبنان وإيران”، مضيفا أنهم “تمتعوا أيضا بالإشراف والدعم الوثيق خلال العملية من قبل كبار مسؤولي “حزب الله اللبناني” فضلا عن مسؤولين إيرانيين.

وأشار المقال إلى علاقة بين المغسل وإيران، إذ إنه “خلال عمليات المراقبة التي قامت بها الخلايا، على سبيل المثال، قال المغسل لأحد العناصر إنه تلقى اتصالا هاتفيا من مسؤول حكومي إيراني رفيع المستوى يستفسر فيه عن تقدمهم. وفي وقت لاحق، وفقا للائحة الاتهام الأمريكية، صرّح المغسل أيضا أن “لديه علاقات وثيقة مع مسؤولين إيرانيين، كانوا قد زودوه بالمال وقدموا له التوجيهات”.

وفي الواقع، تشير المعلومات السعودية إلى أن “لديه علاقات عائلية قوية مع “حزب الله” اللبناني”، وكان على اتصال مع مكتب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي”، بحسب “فورين أفيرز”.

الاستراتيجية السعودية

بعد أن تم إطلاعه على المعلومات في بيروت، سافر المغسل في فبراير 1996 إلى القطيف، غير البعيدة عن الظهران و”أبراج الخبر”، حيث أوعز إلى أحد عملائه بإيجاد أماكن لتخزين المتفجرات وإخفائها، بحسب المقال.

وقال ليفيت إنه “تم على ما يبدو تحديد المواقع بسرعة إلى حد ما، لأنه في وقت ما في فبراير تقريبا، عاد ناشط في “حزب الله السعودي” إلى بيروت وفق تعليمات المغسل، وقاد سيارة محشوة بالمتفجرات الخفية إلى المملكة العربية السعودية. وعندما وصل إلى القطيف، سلّم السيارة إلى رجل مجهول الهوية ومقنّع الوجه”.

وفي الشهر التالي عانى حزب الله انتكاسة عملياتية خطيرة. فبعد أن نجح في اختبار المغسل للعملية في يونيو السابق، تم استدعاء العلوي إلى بيروت في مارس عام 1996، وأُعطي مفاتيح سيارة أخرى محشوة بالمتفجرات الخفية، ليقود العلوي السيارة في 28 مارس عبر سوريا والأردن، وصولا إلى معبر الحديثة على الحدود الأردنية السعودية.

واستدرك مقال المجلة بالقول إنه “على عكس نظيره الغامض، الذي تمكّن من تهريب متفجرات عبر الحدود في وقت سابق، تم اعتقال العلوي على الفور عندما اكتشف حرس الحدود السعودي 38 كيلوغراما من المتفجرات أثناء تفتيش سيارته. وقد أدى ذلك بدوره إلى إلقاء القبض على بقية خلية “حزب الله السعودي”، خلال ثلاثة أيام في أوائل أبريل”.

وفجأة، وجد المغسل نفسه من دون عملائه الرئيسيين، ويواجه احتمال أن يتم فضح بعض عناصر هذه العملية. ومع ذلك، وبلا رادع، سرعان ما وجد بدائل للنشطاء الأربعة المعتقلين وتولى التدريب العملي للإشراف على العملية، بحسب المجلة الأمريكية.

وفي وقت ما في أواخر أبريل أو أوائل مايو، عاد المغسل إلى المملكة العربية السعودية، ليقوم شخصيا بتجميع فريق جديد للقيام بالعملية وقتل جنود أمريكيين، وحينما سافر باستعماله جواز سفر مزور، وتحت غطاء الحج، ظهر بشكل مفاجئ في منزل عضو في “حزب الله السعودي” في القطيف في 1 أ مايو.

وأطلع المغسل مضيفه على مؤامرة تفجير “أبراج الخبر”، وعلى إلقاء القبض على أعضاء الخلية الأربعة، وطلب مساعدته في تنفيذ الهجوم. ولربما افترض المغسل أن مضيفه سيستجيب لطلبه، لأنه قبل مغادرته قدم المغسل له جواز سفر إيرانيا مزورا ربما كان قد أُعدَّ مسبقا، وقال له: “كن جاهزا لتلقي اتصال للتحرك في أي وقت”، بحسب معلومات ليفيت.

وتابع مقال المجلة بأنه “بعد ثلاثة أيام من زيارة أول عنصر في “حزب الله السعودي”، طرق المغسل باب عنصر آخر، وبعد تجنيده في العملية وإطلاعه على الخطة، ترك له جهاز توقيت لإخفائه في منزله”، مشيرا إلى أنه “وخلال مرتين على الأقل في الأشهر التي سبقت تفجير الخبر، ظهر عضو من خلية “حزب الله السعودي” أمام منزل الناشط الذي تم تجنيده طلبا للمساعدة في إخفاء عدة أكياس وزن كل منها 50 كيلوغراما وعلب طلاء مليئة بالمتفجرات في مواقع في جميع أنحاء القطيف”.

وبعد ذلك، قبل حوالي ثلاثة أسابيع فقط من الهجوم المخطط له، انتقل المغسل وأحد عناصر “حزب الله اللبناني” (لم يُذكر اسمه) إلى منزل الناشط المجند في القطيف، حيث ركّبوا القنبلة.

وبالتزامن مع ذلك، بحسب المجلة، ومن خلال قيام الخلية باستعمال هويات مسروقة، اشترت “شاحنة صهريج” من متجر سعودي لبيع السيارات، مقابل75,000 ريال سعودي، أو حوالي 20 ألف دولار. وأمضت الخلية الأسبوعين اللذين سبقا الهجوم على تحويل “شاحنة الصهريج” إلى شاحنة ملغومة ضخمة في مزرعة في منطقة القطيف، مشيرة إلى أن “المغسل كان جزءا من الفريق في المزرعة، إلى جانب باقي خلية “حزب الله السعودي” وعميل حزب الله اللبناني”.

وقد تم إخفاء المتفجرات داخل شاحنة صهريج البنزين، بحيث تكون غير مرئية، حتى ولو تم توقيفها وتفتيشها، ولو فتح شخص ما الفتحة في أعلى الناقلة، لكان قد شاهد ما يبدو له عبارة عن ناقلة مليئة بالبنزين. وفي الواقع، كان الطاقم قد أدخل أسطوانة سعة 50 غالونا إلى داخل الشاحنة التي تصل سعتها بالكامل إلى 20 ألف غالون، وتحت الأسطوانة المملوءة بالبنزين، تم ملء باقي الشاحنة بما لا يقل عن خمسة آلاف رطل من المتفجرات البلاستيكية. وبالتالي، فعند تفجيرها، سيكون انفجار الشاحنة الملغومة مشابها لانفجار 20 ألف رطل من مادة “تي إن تي”.

ومن السعودية إلى سوريا، حيث قال ليفيت إنه “بعد تحضير جميع التفاصيل العملياتية، اجتمع عدد من المتآمرين في ضريح السيدة زينب في دمشق ما بين 7 و17 يونيو، للتشاور مع القيادة العليا لـ”حزب الله السعودي”، موضحا أن “زعيم الجماعة تزعم اللقاء، واستعرض تفاصيل مؤامرة التفجير، وأوضح للجميع أن المغسل يدير العملية”.

وبعد أسبوع من الاجتماع الذي أُعطي فيه الضوء الأخضر في دمشق، عاد المغسل وأعضاء خليته إلى المملكة العربية السعودية، وكانوا مستعدين لتنفيذ الهجوم؛ إذ اجتمعوا عشيته في مزرعة في القطيف، التي تبعد حوالي خمسة أميال من “أبراج الخبر”، لاستعراض الاستعدادات النهائية، ولم يحضر هذا الاجتماع سوى أعضاء الوحدة التنفيذية الفعلية.

التفجير

أما يوم التفجير، فغادر اثنان من أعضاء خلية “حزب الله السعودي” المزرعة أولا، قبل فترة وجيزة من الساعة العاشرة ليلا، وبينما كانا يقودان سيارة من طراز “داتسون”، دخل الاثنان موقفا للسيارات مجاور للمبنى 131 في “أبراج الخبر” وأوقفا السيارة في الزاوية البعيدة. وبعد ذلك لعبا دور الكشافة، وتفحصا المنطقة للتحقق فيما إذا كانت هناك دوريات أو أي حالة أخرى يمكن أن تعطل هجومهم، وبعد ذلك دخلت الموقف سيارة “شيفروليه كابريس” بيضاء اللون. وقد تمت استعارة هذه السيارة من أحد المعارف، الذي كان على الأرجح لا يدرك أن سيارته ستكون بمثابة المهرب لمرتكبي تفجير إرهابي ضخم.

وبعد التحقق من عدم وجود أي مشكلات، أومض الكشافة المصابيح الأمامية لسيارة الـ”داتسون”، ما يدل على “وضع آمن” لدخول السيارة النهائية إلى الموقف. وعند إشارتهم، دخلت الشاحنة المفخخة، يقودها المغسل نفسه مع راكب آخر، وأوقفا الشاحنة بمحاذاة السياج أمام المبنى رقم 131، ثم قفزا إلى المقعد الخلفي للسيارة المنتظرة والمخصصة للهرب التي ابتعدت بهم، تليها سيارة المراقبة.

وبعد دقائق انفجرت القنبلة، تاركة حفرة بلغت سعتها 85 قدما وعمقها 35 قدما. وكان ذلك الانفجار هو الانفجار غير النووي الأكبر من نوعه على الإطلاق حتى ذلك الحين، وشعر به من كان على بعد 20 ميلا عبر الجسر في البحرين، وقد قتل على أثره 19 جنديا أمريكيا، وأصيب ما يقرب من 500 شخص آخر بجروح من سبعة بلدان على الأقل.

التوقيت والتبعات

وحول توقيت القبض على المغسل، أشار ليفيت إلى أن ذلك قد يكون “من قبيل الصدفة، متزامنا مع التوترات الطائفية التي تهز المنطقة والاتفاق النووي المنتظر مع إيران”، مستدركا أن المغسل “لكونه فارا من وجه العدالة منذ فترة طويلة، قد يكون وقع في الروتين الذي مكّن السلطات من تحديد مكانه وإلقاء القبض عليه”.

ومع ذلك، فالجدير بالاهتمام، بحسب المجلة، هو أن هذه العملية لإلقاء القبض عليه تأتي على خلفية الصفقة النووية والمنافسة الإيرانية السعودية على النفوذ، في المنطقة عموما، وفي لبنان خصوصا، وفي وقت ينزلق فيه لبنان نحو الفوضى.

واعتبر الباحث ليفيت أن “إلقاء القبض على الرجل الذي دبر هذا الهجوم الهائل ليس بالقضية الصغيرة”، موضحا أن “عائلات الضحايا يستحقون العدالة، بالإضافة لوضع المغسل -الذي يتحدث الفارسية- الفريد الذي يسمح بتوفير المعلومات التي تشتد الحاجة إليها حول النشاطات السرية للعملاء الإيرانيين ووكلائهم في المنطقة”، بحسب قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *