تصدير ثقافة الحزن الإيرانية

لست عالما في المذاهب، لكن ما لفت نظري أن إيران تحتفل بالحزن أكثر من الفرح وفقا لرؤية قادتها الدينيين فتنشئ المواكب والاحتفالات في ذكرى وفاة بعض الصحابة “رضوان الله عليهم” لأجل ممارسة المواجع واللطم، على خلاف بقية المذاهب التي لا ترى لذلك موقعا في طقوسها.

وحسب بحثي وقراءتي المتواضعين، فلم أجد من يفعل مثل ذلك في الديانات منذ بدء التاريخ وحتى الآن إلا فئة مسيحية قليلة تعيش في أوروبا الشرقية كانت تتذكر أحزانها باللطم وإيلام الجسد في إحياء ذكرى شهداء المسيحية.

والوسائل المتبعة في ذلك نقل منها وزير صفوي هذه العادة في القرن السادس عشر كما أشار المفكر العراقي علي الوردي ومؤرخون آخرون.. ما يشير إلى أنها دخيلة على مسلمين الشيعة وليس لها أي أساس.

نعود إلى ما بدأنا به لنقول إن معايشة الحزن في إيران وكثير من محافظات العراق تحضر معظم أيام العام، وتشتد في “عاشوراء” وفي ذكرى الوفاة لكثير من الصحابة والتابعين من “آل البيت” ويلفت نظرك الصور التي تأتي من هناك تكتسي السواد على المساجد والمحلات والبيوت ستائر وملابس وأغطية سوداء تغلف كل شيء، بل إن العزاء موصول ببكائيات لا تتوقف وكأن أحداث الوفاة قد تمت قبل ساعة، أو أن من يذرف الدموع قد فجع بالخبر لينفطر قلبه.

غير ذلك، فإن التعبير عن الحزن يؤطر بإغلاق المحلات وخلو الشوارع، فضلا عن أصوات أناشيد لبكائيات عالية، بل إن القنوات التلفزيونية تعيش جنائزيات حزينة حدّ أن أصوات البكاء تعلو على كل شيء.. تلك ذكرى وفاة الحسين، وذلك مأتم لفاطمة رضوان الله عليهما، غير البكائيات الخاصة المتكررة في مناسبات كثيرة مختلفة للأئمة الاثني عشرة.

وفي كل ذكرى للموت يجتمعون في “الحسينيات” يتبادلون العزاء ويتسابقون برفع أصوات العويل والبكاء، ويرددون فيها صرخات تذكرهم بمدى الحزن على المفقودين، ليس ذلك فقط بل إنهم من فرط حزنهم يؤلمون أنفسهم بضربات من أيديهم تهوي على صدورهم ورؤسهم، بل يتجاوز البعض بضرب نفسه بالسيف أو أداة حادة ليخرج الدم فيغطي رأسه.

جميعها يظهر فيها الأسى والحزن وكأن الشعب الإيراني، قد تم صياغته من قبل علمائه الدينيين لكي يعيش الماضي فقط ولا يعنيه الحاضر بتاتا، ويريد أن يعيد العالم إلى ذلك الماضي الحزين.. وكأن سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام لم ينه عن ذلك، وأن القرآن الكريم لم يؤكد أن الموت حق حينما خاطب رسوله الكريم بقوله تعالى: “إنك ميت وإنهم ميتون”.

رغم غرابة ما يحدث في زمن تتسابق الدول فيه على العلم الحديث دون أن تتخلى عن ثوابتها، إلا أن التمسك بالعادات المخلة سيعيق عن إيجابيات كثيرة كان يحتاج إليها الشعب أكثر من انغماسه أكثر في الأحزان وتذكرها ومن ثم معايشتها.

إن من الإنصاف أن نقول أن مراجع شيعية كبيرة قد أصدرت فتاوى بتحريمها كما فعل المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله الذي أفتى قبل سنوات “بحرمة الإضرار بالنفس” لأنّ ذلك يؤدّي إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين الشيعة بالخصوص.

ختام القول، ربما أن تعذيب النفس وجرّ الغوغاء لفعل ذلك هي سياسة صفوية، الهدف منها تصدير الحزن إلى العالم، ولعل ما تفعله إيران من دعم للميليشيات في العالم العربي لنشر مزيد من الدمار والحروب هو عنوان أمثل لثقافة الحزن الإيرانية.

مساعد العصيمي

نقلا عن “الوطن”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *