قينان الغامدي: لأول مرة أبكي

كان إنساناً نبيلاً صادقاً فارساً حقيقياً لايدّعي ولايتصنّع،كانت حقبته قمة الهرم في تاريخ الدولة السعودية الثالثة، فهو المؤسّس الحقيقي الثاني للدولة والمطور الفاعل ورائد التغيير الواعي وراعي الأولويات في أمور جوهرية ورائعة لمسها المواطن بيديه وأحسها في حياته،حتى أصبح عبدالله بن عبدالعزيز هو الكلمات واللحن والصوت في حنجرة أولئك العجائز في عُمق سهول تهامة وقمم الجبال،وأصبحت الربابة لا تجرّ الشجن الا إذا قيل الملك بخير.وكان الموال لايمد حبله على شراع البحار إلا حين يسمع كلمة أبي متعب وكان حَمَام الحرمين في آفاق مجد المليك التاريخي هناك يحلّق حاملاً مَشاهدَ لم ترها سماوات مجد الاسلام منذ أن رفع سيّدنا إبراهيم عليه السلام أركانَ البيت العتيق.

ومنذ أن بركت الناقةُ مأمورة الطاهر المطهَّر صلواتُ الله وسلامه عليه في عرصات طيبة،وكانت كل عاصمة عالمية وهي تستقبل وفود العِلم لاتتذكّر إلا لغة الحُب والسلام التي حلّقت في سماواتهم وأمطرت بَرداً ملأ مساماتهم،فيرون رُسل الحُب والعِلم أبناء وبنات عبدالله وهم يشرّفونه في كل لفتة،وهو يفخَر بهم مع كل دعوة يُطْلقها في جوف الليل للمواطن. لايرى أي دعوة أوجب عليه من الدعاء له ولايرى شرفاً أعظم من خدمته،ولذلك،وليطمئن المواطن على مستقبله القريب أسّس هيئة البيعة ورتّب بيت الحُكم فكان سلمان الملك بما نعرف من وعي وثقافة وهيبة وكان مقرن ولياً للعهد بما نعرف من حيوية ومعرفة وانضباط،وجعل لبنت حواء حضوراً وصوتاً ووجهاً،فجاءت الشورى وشرّفت دور البحث والعلم وارتادت منصّات التكريم العالمية وتفوقت حضوراً وألقاً. وتفتّحت مداركُ الزهرات إلى جانب إخوانهن في أودية المعرفة وحدائق الموهبة وقال لي شخصياً رحمهُ الله بحضور وزير الإعلام:

الكلمة أمانة،الكلمة أمانة،الكلمة أمانة.

وقال للوزراء كلمته الشهيرة:من ذمتي إلى ذمّتكم.

قالها والمؤمن الإنسان هو الذي يتحدّث بوقار وهيبة تزينهما تواضع البدوي المُخْلص لدينه وأمته ويطرّزهما ورعُ من يثق أن المؤمن لايكذب.،ويتوّجهما رجُل الدولة المَهيب،الذي تهزّه قيمة الإنسان إذا انجرحت في كل شبر على أديم الفانية.

وتستفزه كرامة المواطن إذا حاول كائنٌ من كان أن يمسّها بسوء.

ولهذا كان ومازال،غدر الظلمات الإرهابي وجعه الذي دعا الدنيا كلَّها لتقف بصدق الموجوع عبدالله،ولو صدقوا معه لما كانت الشام وبلاد الرافدين تحت وابل الظُّلم والكراهية،وتسبحان في بحر الظلمات الذي ضربت أمواجه الغادرة كل عاصمة،وأقضّ هديرها الختول مضاجعَ الأبرياء العُزل في كل شبر.

ولو صَدَق معه من حمّلهم الأمانة لكان الوطنُ كله حديقة عبدالله التي كان ومات رحمه الله وهو يحلم بها،وهو اعتاد أن يرى أحلامه بَشراً وصروحاً مثل “كاوست” والجوهرة ومثل ثلاث عشرة مدينة جامعية غطت أرجاء الوطن و…ومثل…ومثلات…

رحمك اللهُ يارجُل التاريخ الحقيقي الذي سيبقى في صفّ العُظماء الخالدين إلى يوم يُبعثون.

فيا لعتمة الليل.!

يالوحشة هذا الليل.!

يا ليتمنا.!

أعترفُ أنّي لم أحزن على مَلك أو رئيس خلال عُمري الفائت..

اليوم فقط فعلت.!

بكيت…أنّيت…

أشعُر بيتم الوطَن اليوم.

رحمك اللهُ أبا متعب.

ولله الأمرُ من قبل ومن بعد.

ابنك الحَزين:

قينان الغامدي

الجُمعة

٣ـ٤ـ١٤٣٦هجرية

٢٣ يناير ٢٠١٥م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *