رحلة “الكرافتة” من الخمينيين إلى الإخوانيين

لم يسبق لخالد مشعل أن ارتدى «كرافتة» ومثله قادة «حماس» ومن اتبع قولهم وسار خلف رايتهم تحت أي ظرف، مخالفين زملاءهم في «فتح» الذين لا يكادون يغادرونها في كل مناسبة على رغم أن غايتهم – نظرياً وافتراضياً وظناً – واحدة ومسعاهم نحو هدف مشترك.

راشد الغنوشي وفريقه يحاربون الكرافتة بإخلاص يفوق يقينهم بالفوز في كل انتخاب.
وحدهم «إخوان» مصر يرتدون الكرافتة، وإن لم يفعلوا فلا يحمل الموقف أية دلالة ما لم يهجروها تماماً عن قصد وإرادة.

حين جاء الخميني واقتعد السلطة في إيران حظّر الكرافتة باعتبارها رمز الصليب وتبعية لأهله، ومن حينها اختفت الكرافتات من السوق الإيرانية حتى أن الجيل الجديد لا يعرف علاقته بها أصلاً ولا يدري أنها ممنوعة، لأنه لا يبحث عنها. منذ ذلك الوقت لم تكن هناك حاجة للتعبير عن الولاء والتبعية سوى المشابهة في اللبس والتزام قواعده السائدة عند الآباء المؤسسين.

مع استثناء الخليجيين ومن يشابههم في الملبس غير المنتمي إلى البنطال وعائلته، فإن الكرافتة هي الفارق الظاهر بين جماعتين إخوانيتين تفرقت بهما السبل، الأولى: الجماعة الأم المصرية ومعها صغار الموالين الذين يعتبرون الكرافتة شكلاً جمالياً ورسالة تواصل مع أهل الصليب. الثانية: نابذو الكرافتة وهم جماعة المقاومة الموالية لإيران والمتكئة عليها والسائرة في دربها. من باب التمثيل فإن فهمي هويدي من مناصري ثقافة الكرافتة، بينما ياسر الزعاترة من خصومها، ولمعرفة الفرق الجوهري فهو ما تكشفه مقالاتهما وإن جمعتهما – أحياناً – ضرورات محاربة العدو المشترك، وقتها يتنازل فهمي هويدي عن كرافتته فيندرج خطابه ضمن حزمة المقاومة، لكن ياسراً لا يرتديها باعتبار أنه يمثل خط التجديد والتطوير واسترضاء المرجع الأكبر.
الخليجي لا تتكشف هويته إلا حين ارتداء البنطال وملحقاته، فإن هجر الكرافتة أعلن ولاءه لما يسمى حزب «المقاومة» و«الممانعة»، وهي المسميات الإسلاموية البديلة عن الصمود والتصدي اليسارية الأصل والدلالة، وإن كانت كلها تجعل إسرائيل خصماً من دون أن تمسه بضرر، أما إن ارتداءها فهو يحن إلى الإسماعيلية وسلسلة رجالها.

محاربو الكرافتة يتملقون الخط الإيراني ويوالون سياسته ويخضعون لتعليماته، فالكرافتة ليست من منكرات «الإخوان» ومناهيهم إلى درجة أن مرشدهم لم يخلعها اختياراً أبداً.

خالد مشعل، إسماعيل هنية، خليل الحية، أحمد الجعبري، موسى أبومرزوق كلهم لا يرتدون الكرافتة حتى لا تنبذهم طهران، وربما أكدوا ولاءهم بزيارة مراقد قم. الوحيد المخالف في «حماس» هو محمود الزهار، ربما لأنه ينتمي إلى التيار البنائي التقليدي، فيكون وصلة الربط مع الجماعة والحبل السري الحي معها.

خصوم الكرافتة يقتربون من الجماعة التقليدية بقدر رضاهم عن موقفها، لأن مصدر قوتهم ومنشأ تمويلهم هو طهران ومن والاها، لذلك يعتبرونها خط حمايتهم وضمان سلامتهم وبقاء سلطتهم.

في كل جماعات الإسلام السياسي لا يمكن تجاهل تفاصيل الزي، لأنه انعكاس مباشر للولاء والآيديولوجيا كما يتجسد في أبرز علاماته عبر غياب الكرافتة.

المشكلة الصعبة هي في اليمن، فلا يمكن معرفة عضو «الحوثي» من كادر «الإصلاح»، فكلاهما يرتدي الجاكيت والثوب والحزام حتى إنّ قَتْل أحدهما للآخر لا يكشف الهوية ما لم يصرخ القاتل: الموت لأميركا… الموت لإسرائيل.

جاسر الجاسر

نقلا عن “الحياة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *