ما الذي تبقى منك يا يمن؟

يا حضارة الصيهدية، وطريق البخور واللبان، يا خط المسند يا سبأ ومعين وحمير وقحطان، ويا ممالك أوسان ودمت وجبان وكندة ونشق وهرم وديدان، يا سد مأرب العظيم، يا أرض بلقيس الذهبية، يا نبع العارب والمستعرب، يا رحلة الشتاء، يا زبيب وبُن وقمح البلد السعيد، وروح صنعاء ولو طال السفر.
تخير أيا من أسمائك، التي ما زالت محفورة بالوجدان، وجاوبني: فما الذي تبقى منك، ولماذا تركك أهلك تعاني حيرة الخروج عن مشاهد التنمية والتطور والاستقرار الوطني، بعد أن تنازعوا كالضواري على جثة السياسة العفنة؟.
فقر وتجهيل وسقم، وقبائل شدة عظيمة البأس مسلحة تغتصب حقوقها بيمينها، وتزاول السطو المسلح والخطف وقطع الطرق وطلب الفدية.
تعليم ذبح العقل، وجرده من الحرية، ومن الضياء.
مسخ سياسة وديمقراطية مختلة التوازن دخلت عسرًا ودون تدرج إلى عقولٍ لم تستوعبها، فثمل الشارع بأحلام الحرية، وتمادى حتى فقد اللقمة والأمن والأمان، بين تناحر النظريات المشروخة المنقوصة على أرض وطن عريق تم وأده حيًا وسط رماد الحاضر.
صراع مذهبي فاجر باتر لكل صلة بمعاني الوطنية والمواطنة.
أوكار ظلام وجهل لوطاويط الإرهاب ينتهزون هجعة الكهوف، وعهن العناكب، وأشواك طلح الخوف، وعقول مستسلمة لا تتفكر.
وحدة مجروحة تنزلق إلى حد المحك الباتر، وتدخلات أمريكية وخليجية وعربية وأجنبية مؤدلجة تزيد من تفكيك أوصال أرض الخلاف والخوف.
ما الذي تبقى منك يا يمن؟. لقد امتطى القائد المحروق صهوة السياسة المتفحمة فيك لسنين طويلة، ثم أطلق لأطماعه وأعوانه العنان، فجال بالميدان، وأذكى الفرقة بين الفرسان، وأعلى الحواجز والترابيس، وكنز الثروات، ومحى الخطوات، واستباح العدل والدم، فثار الشعب، حتى ظننا أنه الفراق؛ ولكنه عاند وكابر وتشبث بنازف الجرح كالقُرَادُ، وظل يمتص الدماء حتى أصبح انتزاعه عن جلد الوطن اليمني مستحيلًا.
وما يحزننا على جارة تعتبر لنا نحن السعوديين جزءًا من الروح، أن الوضع يزداد ترديًا ويتكرر، والتشتت يعم، والخوف والجوع والمرض يحفز شباب اليمن المخنوق للهجرة حافيًا أو سابحًا، أو زاحفًا لأطراف الأرض.
السعودية المتضررة الأولى حاولت أن تحتوي الأحداث مرارًا، وأن تصلح الحال بين القيادات والقبائل وبقية الأخوة المتنازعين المتناحرين، وصرفت الغالي والمستطاع ليعود على اليمن استقراره، وثابرت حتى أصبحت هي جزء من الحدث المرير، وما كان منها إلا أن واجهت الحوثيين وطردتهم ذات يوم عندما دخلوا حدودها
واليوم ثار الحوثيين، واحتلوا صنعاء، في غفلة من الزمن، وكأن الشعب اليمني قد أصيبوا بإحباط، حتى أنهم لم يخرجوا للشوارع، ولم يقاوموا.
وسلمت الحكومة المهتزة بما كان، ووقعت للحوثيين على بياض، وكأنها جزء من المؤامرة.
وزادت أدوار الرئيس المحروق خيانات، فلم نعد ندري مع أي الصفوف يصُف، وضد من يقف ويحارب.
ودخلت إيران للمشهد بقوة، وصار علمها يرفع على شاشات الحوثيين، فلا نعلم ماذا يقصد بذلك، ولصالح من، وهل ذلك حقيقة أو أنه مجرد تهويش بأعمال فارسية قادمة.
وكثرت الأيدي، التي تعمل وتنازع القيادة، لدرجة أن الجنوب أصبح مهددًا بالانفصال في أي وقت.
خمس وعشرون مليون من الشعب تمكنت الأف قليلة من ارعابهم، وابعادهم عن الصورة، وعن إدارة السياسية، وعن تكوين المصير!.
فلكم نحلم لو يعود اليمن بيننا فتيًا، بصلح ينبع من نابض قلب اليمن المخلص المتبقي.
ولنا تساؤل لجامعة الدول العربية، فلماذا لا تتدخل لقطع الطرق على الغير لصالح ركن عزيز مؤثر من جزيرتنا العربية نتمنى أن يستمر ركنًا يمانيًا مكينًا لا يسمح لفئران السدود بالتكاثر وخلخلة بناء الكيان الخليجي، حين يعم الطوفان.

شاهر النهاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *