حكمة الصمت التي ولت

في زمن ما كان الصمت سمةً من سمات السعودية – حكومةً وشعباً – ليس من ضعف ، بل من إيثار لبتر كل شائعة أو إساءة بالصمت عنها حتى تنتهي وعادةً ما تكون الحقائق في صالحنا ذلك لأننا لسنا ممن يعتدي بل ممن يقدم يد المساعدة والمساندة في مواقف دولية كثيرة . كنا دوماً ومازلنا أداة للسلم والخير نتسلح بالحكمة والصبر على الأذى حتى تنقشع الغمة أياً كان نوعها .

ذاك زمن ولى لأن الناس حينذاك كانوا ينتظرون نشرات الأخبار الرسمية ليتابعوا أحداث العالم أو ينتظرون توزيع الصحف . اليوم أصبحت الأخبار والإشاعات متعددة بتعدد البشر ، وتتنوع بتنوع الأهداف والخطط والشرور التي يرتب لها بعضهم وصارت الأجهزة المحمولة سلاح من أسلحة بعض الدول تعتمد عليه في تحريك خططها الشيطانية من خلال برامج التواصل ، ولم يعد بالإمكان أن تدار لها الظهور ولا يلتفت لها لأن شررها يتطاير في مكان وبكل مجال فإن لم تكن رسالة فتغريدة أو فيديو أو صورة ، وليس من الحكمة في شيء أن تواجه هذا كله بالصمت فحتى لو كنت حليماً حكيماً فمن يريد أن يضرك ليس كذلك أبداً  فتلك الرسائل هي أداة حرب نفسية باردة لابد لك أن تواجهها على الأقل بالرد عليها .

بالتأكيد لست مع بذاءة القول نهائياً ولا اللمز والهمز بالأعراض والأشكال ولكن بالقول الفصل ساخراً كان أو جاداً . قبل أيام اتصلت سيدة بأخرى وهي تبكي بحرقة متسائلة لماذا يكرهنا الناس ويصبون جام أحقادهم علينا ؟ هذه سيدة تأثرت بما تسمع وتقرأ مما يصلها على هاتفها المحمول . سيدة بسيطة ذات تعليم أولي ولكنها وجدت نفسها في هذا الجو المحموم بالكره والأحقاد والخطط الشريرة التي تدار عبر جيش مدجج بالمرتزقة المسلحين بشرائح البيانات التي يستخدمونها للإساءة لقادتنا وشعبنا ويهاجموننا بقواميس من الشتائم القبيحة والأقاويل العجيبة والتحريض والتجييش فهل سنقف أمام هذا كله وندعي الحكمة ؟!. بالتأكيد لا ، فهذه حالات يجب أن تواجه .

والجميل أننا حين نواجههم لا نفعل ذلك بالأجرة بل بالحب والإخلاص للوطن وحمايته من شرورهم . نحن لسنا دعاة حرب كما قال سعود الفيصل رحمه الله . ولكننا حين تدق الحرب طبولها فنحن لها ، ونحن اليوم نواجه أشرس حرب إليكترونية يصرح بها الأعداء ممن يدعون أنهم يريدون مصلحة الشعب السعودي !! كما كانوا يعرفون تماماً مصلحة الشعوب الأخرى التي وقعت في فخ الربيع العربي المزعوم .

نحن بالفعل لم نكن دعاة لهذه الحرب الإليكترونية ومن يرد أن يتأكد فليعد وينظر إلى تعامل المواطن السعودي مع برامج التواصل قبل بدء الأعمال الشيطانية في الوطن العربي وبعدها وكيف صار بعد ذلك تحديداً بعد أن كشفت الأوراق القطرية التي لا تحمل إلا الخيانة والغدر وتمويل الشر . انظروا إلى المواطن السعودي إبان حربه على الإرهاب الداخلي الذي – وياللعجب – توقف بعد انكشاف عورة التفكير القطري .

لقد كنا دائماً إلى جانب الوطن حتى عندما أشعلوا النار بين الأب وأبنائه وبين الرجل وأبناء عمومته وبين المذهب والآخر سعياً للفتنة كما تسعى الأفعى للدغ والتهام الفريسة .

أبعد كل هذا يظهر منا من يقول : اصمتوا ؟!! بحجة اللفظ البذئ يا للعجب !! إن أسلحة الحروب الجديدة ليست مخصصة للمتدربين فقط ممن يحسنون القول وتسديد السهام المفحمة بالحجة والمنطق ولكنها متاحة للجميع بكل مستوياتهم وكما يصلهم يستجيبون . ولم ننكر عليهم ذلك إذا كانت أكبر قناة تلفزيونية أعدت للفتنة هي التي فتحت الأبواب على مصاريعها لكل قول قبيح في برامج يدعى أنها للرأي والرأي الآخر . لقد كان الهدف أن تصل رسائلهم وقد وصلت وعليهم أن يستقبلوا الرد من كل المستويات.

د. أمل الطعيمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *