الفاسدون الصغار

في عام 2007 ذهبت إلى إحدى الدول العربية تلبية لدعوة وجهها وزير السياحة لعدد من الإعلاميين العرب وذلك بهدف الترويج للسياحة هناك. في منطقة الجمارك أوقفني أحد العساكر لتفتيشي وطلب مني “إكرامية” لتسهيل عملية التفتيش، قلت له بغضب إننا ضيوف رسميون والمفترض أننا جئنا هنا لنقل صورة إيجابية عن بلدك، لكنك أفسدتها منذ اللحظة الأولى، ابتسم بحرج وتركني أمضي في حال سبيلي. مازال هذا الموقف عالقاً في ذهني، ومازلت أربط نجاح الدول وفسادها من خلال انتشار مظاهر الفساد، خصوصاً بين رجال تنفيذ القانون، إذ إن انتهاكهم لقدسية تنفيذ القوانين من أجل مصالحهم المادية، يعد أخطر المؤشرات على تهالك البلد.

الوضع لدينا في المملكة وفي دول الخليج حقق نجاحات كبيرة في مجال مكافحة الفساد، ما جعل تصنيف السعودية يضاهي بعض دول أوروبا الغربية في تصنيف منظمة الشفافية لعام 2017، وأعتقد أنها ستتجاوز الكثير من الدول في السنوات القادمة. إلا أن ذلك بحاجة إلى حرب شرسة ضد من يمكن تسميتهم بـ”الفاسدين الصغار” وهم أولئك الموظفون الصغار الذين يستغلون سلطتهم من أجل مصالحهم الشخصية. ورغم أن الحالات ليست منتشرة بشكل كبير، لكنها بحاجة للعلاج قبل استفحالها.

يذكر لي أحد الأصدقاء الذين يملكون عدة محلات تجارية، بأن بعض هؤلاء الفاسدين يوجدون بين بعض الموظفين، إذ يطلب بعضهم بضائع أو خدمات بالمجان نظير أن يغض الطرف عن بعض المخالفات، أو أن لا يتعامل بصرامة ودقة مع صاحب المحل. سألت بعض الأصداقاء التجار عن صحة هذا الكلام، وكثير منهم أكد لي حدوث مثل هذا الابتزاز، قد تكون هذه الحالات فردية لكنها بحاجة لاستقصاء وتحقيق، ومن ثم اتخاذ إجراءات قاسية لردعهم.

هؤلاء الفاسدون الصغار أمراض صغيرة لكن شريرة، إذ إنهم يؤصلون لثقافة مدمرة في غاية الخطورة تقوم على استغلال السلطة من أجل تحقيق مصالح شخصية، وبدون أن يتم ردعهم بالعقوبات الصارمة فلن نتخلص من مرض الفساد أبداً.

ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أكد كثيرًا على أن ضرب الفساد هو أحد أهم أولوياته، وقام بالفعل بحملة ضارية على فساد الكبار، وجعلت تلك الحملة كل من تورط في شبهة فساد يتحسس رأسه، ولكن دون أن نقوم بمكافحته على كافة الطبقات واجتثاثه بشكل كامل من المجتمع فسيعود للتكاثر، ويشدنا إلى الأسفل ويعطل مسيرة التنمية.

السعودية مقبلة على مرحلة إعادة بناء مهمة وتأسيس لنهضة اقتصادية واجتماعية كبرى، إلا أن وجود الفاسدين وتغلغلهم سينخر في هذه الأساسات التي نقوم ببنائها.

عماد العباد

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *