السينما ليست قضية ترفيه فقط

يتصدر صفحات الصحف العالمية حَدَثُ فتح دور للسينما بالمملكة بعد غياب دام لعقود ما يقارب الـ 35 سنة، و تتنوع التغطيات إلا أنها تشترك في حماستها لهذا الانفتاح غير المتوقع.

وهو حدث ذو أبعاد متعددة، فلا تخفى تداعياته الاجتماعية التي لا تقل أهمية عن التداعيات الثقافية.

وتتحمس صديقتي إيليزابث مانوريه بروفسورة العلوم الاجتماعية بجامعة السوربون سابقاً للحدث شارحة، «السينما ليست قضية ترفيه فقط، إنها ثقافة اجتماعية حيث يجتمع أفراد لمشاركة حدث بهيج، هناك طقوس وبروتوكولات يتدرب عليها الفرد في ساحات العروض البصرية كالسينما والمسرح، هناك مشاركة للفضاء الفني، تنفس مشترك لأحداث في حبكة، لكأنما هناك موصلات لامرئية توزع رحيقاً من البهجة أو التعاطف أو الرفض، قاعة السينما يمكننا القول اعتباطاً إنها الفضاء الأول الذي تنمو فيه الجماهيرية المساندة أو المعارضة، السينما فضاء للتنفس ينفتح للأفراد، وتزداد أهمية هذا الفضاء في العصر الحالي حيث يلعب دوراً كبيراً في تشجيع التفاعل الاجتماعي سواء بين المتقدمين في السن أو اليافعين، وينجح هذا الفضاء من الخفة الترفيهية في ظاهرها والعميقة والهادفة في حقيقتها في استدراج الأفراد خارج محيطهم الذاتي المحدود الذي ينفردون فيه مع شاشات كمبيوتراتهم وهواتفهم الذكية التي قد توفر ترفيهاً معادلاً إلا أنها تسهم تدريجياً في تعزيز العزلة والانغلاق على الذات وفي المدى البعيد تقود لتثبيط ديناميكية الفرد ضمن الدوائر الاجتماعية وذلك من خلال تفاقم ظاهرة هجر التفاعلات الاجتماعية.

فقط وكمثال لنتأمل في حشود جمهور يغادر قاعة السينما، ليس بوسعنا إلا أن نشعر بشحنة الحماسة المتبادلة وإن كانت بين زمرات تبدو منفصلة من ذلك الجمهور، وبالتأمل في تلك الجماعات نلمس للحوار عبق وللنظرات امتلاء وللحركة العفوية مغزى، هناك مواقف أو يمكن القول هناك تيارات اجتماعية وثقافية تتشكل بهدوء أو على نار هادئة، كل زيارة للسينما هي انفتاح على محيط من رؤيا فنية تنجح في مدة قياسية لا تتجاوز التسعين دقيقة ربما في تشكيل باقات فكرية من مجموع الجمهور، هناك حدث فني يخضع للمشاركة ويؤدي لتجميع الأفراد حول فكرة أو مشهد أو حركة ذكية للكاميرا أو سرحة عميقة للتأثيرات الصوتية».

لا تكف صديقتي إيليزابث عن تعديد مغزى ارتياد الجمهور لدار سينما، بوسعها أن تؤلف كتاباً في هذا الموضوع.

وبالخلاصة وبلا شك يتحرق الكثيرون للحظة التي يجلسون فيها في قاعة سينما بالرياض أو جدة ويتشاركون عرضاً سينمائياً، لتحيا المملكة بقيادتها المجددة الشجاعة.

رجاء عالم

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *