الرأي

على غرار “أبشر”.. سوق قطع غيار السيارات بحاجة إلى الابتكار والتنظيم

د. طلال المغربي

أكاديمي ومستشار في التسويق الاستراتيجي

يعتبر سوق صيانة وقطع غيار السيارات من أهم العناصر في سلامة وسائل المواصلات، وتلعب هذه السوق دورا هاما في حفظ الأرواح وتعزيز الاستدامة والأمان. ورغم التطور التقني والرقمي الكبير إلا أن منظومة صيانة السيارات وقطع الغيار تملك مساحة كبيرة للابتكار والتغير ودخول رواد الأعمال بما يساهم في رفع الكفاءة التشغيلية والمالية ورفع مستوى السلامة وتخفيض الوفيات والحوادث، وبالتالي تحقيق مستهدفات الرؤية السعودية للتحول للاقتصاد الرقمي ورفع مستوى جودة الحياة.

من أهم عناصر اختيار الوجهات عند السفر بغرض السياحة بأنواعها أو الاستثمار هو الاستقرار السياسي والأمان والبنى التحتية المتقدمة وتوفر الفنادق والمعايير الصحية وجودة الحياة ومناطق الجذب السياحي والأنشطة الترفيهية وأمن وسلامة الطرق وسهولة التنقل من والى الدول وبين المدن والقرى. فسلامة السيارات وقطع الغيار وعدد الحوادث والوفيات يؤثر على الصورة الذهنية للدول ويؤثر على استراتيجيات الجذب السياحي. لذا، متوقع أن تعمل الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية لتسريع تطوير البنية التحتية لمنظومة النقل الذكي لتساهم في تنافس 13 منطقة ضمن حراك اقتصادي سياحي يمكن السعودية أن تكون فيه مركز الأرض اقتصاديا.

في السعودية يمثل سوق السيارات عنصر جذب بكبر مساحة المملكة وتنامي الطرق البرية التي تربط مدنها وقراها شمالا وجنوبا وغربا وشرقا. حجم سوق مبيعات السيارات في السعودية وصل إلى 11 مليار دولار في 2020م ومتوقع وصول قيمة المبيعات الى أكثر من 17 مليار دولار بحلول عام 2026م. عدد السيارات التي بيعت عام 2019م بلغ 556 ألف سيارة، وبسبب جائحة كورونا انخفضت المبيعات إلى 436 ألف سيارة في عام 2020م. لكن يتوقع أن تصل المبيعات إلى 543 ألف سيارة في عام 2025م مع دخول السيارات الكهربائية التي متوقع تمثل 32 ألف سيارة.

عندما ننظر لسوق السيارات من زوايا الصيانة وقطع الغيار نجد أن سوق قطع غيار السيارات يبلغ حجمه في السعودية 7.6 مليار دولار في عام 2018م ومتوقع أن ينمو الطلب على السيارات إلى 10 مليارات دولار تقريبا في عام 2023 م مع الحراك التنموي والاقتصادي والسياحي وارتفاع عدد السكان وزيادة أعداد قائدي السيارات من النساء.

رغم هذا الحراك، يعتبر سوق الصيانة وقطع الغيار في نمو بطيء مع غياب التنظيمات وعنصر الثقة في الورش وزيادة في معدل الشكاوى وارتفاع أسعار قطع الغيار ومدى جودتها. ساعد عنصر غياب الثقة وارتفاع الأسعار هذا في انتشار الكثير من المواقع الإلكترونية من حول العالم التي تسوق منتجاتها للمستهلك السعودي والخليجي وتوهم المستهلك بأنها تبيع قطع غيار السيارات بأسعار أقل من أسعار الموردين المحليين مما يساهم في جذب كثير من المستهلكين للشراء من هذه المواقع بهدف توفير الكثير من الأموال مقارنة بالسوق المحلي. قد نجهل معرفة صحة معايير ومطابقة قطع الغيار المستوردة عبر الإنترنت للمعايير السعودية وجودتها مما يعرضنا للأخطار ويعرض مرتادي الطرقات من أفراد وسيارات للحوادث.

منظومة سوق الصيانة وقطع الغيار مازالت بعيدة عن التقدم التقني بوجود قواعد معلومات على غرار خدمات “أبشر” يربط رقم تسجيل لوحة السيارة وتاريخها بما يخص الأمن والسلامة والحوادث وتاريخ بيعها وعدد الملاك السابقين وأرقام قطع السيارة الأصلية وأي رديف مطابق للمعايير والمواصفات المحلية.

عندما ننظر لأسواق بعض الدول، نجد أن سوق السيارات وورش الصيانة مرتبط بشكل كلي برقم هيكل تصنيع السيارة ورقم لوحة السيارة. مراكز الصيانة ومهندسي الصيانة يستطيعون وعبر رقم اللوحة طلب قطع الغيار المناسبة التي تتناسب حسب المعايير مع نوع السيارة، وبالتالي تقليل نسبة الخطأ وزيادة نسبة السلامة، لأنه لا يمكن له أن يخاطر ويعرض نفسه للمسائلة القانونية ويطلب قطعة لا يمكن أن تكون من القطع المسموح باستخدامها من قبل الشركة المصنعة مع وضع خيارات شراء القطعة الأصلية أو البديل المعتمد.

تنظيم سوق صيانة السيارات وقطع الغيار بقواعد معلومات إلكترونية سهلة وواضحة في معظم الدول يساهم في إيجاد سوق كبير في توليد الوظائف ودخول الفكر الابتكاري بوجود الشركات الناشئة في تسهيل عملية طلبات قطع الغيار الجديدة والمستعملة وإيصالها إلى مراكز الصيانة بطريقة سريعة وآمنة.

في بريطانيا على سبيل المثال، ينتشر تنافس بين شركات التوصيل المتخصصة في إيصال قطع غيار السيارات التي أساس عملها هو بعد عملية طلب قطع الغيار من ورشة الصيانة مع أي موزع معتمد، تقوم شركات التوصيل بإيصال الطلبات إلى الورش بأسرع وقت مع توفير فاتورة توضح تفاصيل الطلب والقطعة وملائمتها مع السيارة بناء على رقم اللوحة المرتبط بتاريخ السيارة.

إعادة تشكيل سوق السيارات وورش الصيانة وقطع الغيار بما يتناسب مع التحول والاقتصاد الرقمي هو مطلب مهم وضروري، وبتعاون وزارات مختلفة يكون التحول في صميم تحقيق أهدافها مثل وزارة الصحة لتخفيض الهدر المالي الكبير في علاج إصابات الحوادث، ولوزارات النقل والتجارة والمواصفات والمقاييس ومؤسسات حكومية مثل المرور والهلال الأحمر وغيرهم.

هي فرصة كبيرة في التحول الاقتصادي الرقمي ولرواد الأعمال والمبتكرين ليكونوا جزءا من التحول والسوق الكبير وفتح آفاق جديدة هدفها الاستدامة والكفاءة وجودة الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *