الرأي , خربشة ومغزى

أمريكا .. واحتضان المشروع الصهيوني

أحمد عبدالله الحسين

كاتب مهتم بالتاريخ والادب ومحاور علم الأنثروبولجيا

هذا العنوان ممتد بصلة للمقال السابق، والذي فيه بيان استئثار الحكومة البريطانية وحدها – إلى حد بعيد – بـ “المشروع الصهيوني”خدمة للأهداف الاستعمارية والصهيونية، إلا أن بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر بدأت التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تجلى هذا في العمل على خلق حركات دينية تبشيرية مسيحية للتركيز على العهد القديم “التوراة” من أجل تهيئة عقول المواطنيين بقبول فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين.

من هذة الحركات “المورمون السبتيون شهود يهوه” وغيرها من المنظمات التي ما زالت تنشط حتى الآن في مناطق مختلفة من العالم. ومن الأمثلة على هذا هو قيام مؤسس كنيسة المورمون “جوزيف سميث” بإرسال تلميذه “أوريسون هايد” إلى القدس عام 1840م من أجل تسهيل قبول نبوءة بعث إسرائيل، حاملاً معه عددًا من كتب التوصية من وزير خارجية الولايات المتحدة، وأخرى من حاكم ولاية إلينوي.

ومنذ ذلك الوقت المبكر أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية شريكة مع حكومة بريطانيا في رعاية وتنفيذ المشروع الصهيوني، وكان اهتمامها موجهًا إلى مصير الدولة العثمانية ومصير النظام العالمي عمومًا، والسعي إلى استيطان اليهود في فلسطين، و هو الأمر الوحيد الممكن آنذاك. تجلى هذا التعاون والعمل المشترك بين الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى 1914-1918م.

وأبرز ما حصل تلك الفترة ما تم بين الرئيس الأمريكي “ولسون” وبين وزير خارجية بريطانيا، والاتفاق على الصيغة النهائية للتصريح الذي سوف تصدره لندن بشأن (الوطن القومي اليهودي). وكان لهما ذلك، وقبول الرئيس ولسون على مشروع التصريح سرًا.

خلال الحرب العالمية الأولى حينما تأكد الانتصار للدول الاستعمارية وهزيمة خصومها ومنهم الأتراك. قال الرئيس ولسون في أب 1918م: “أعتقد أن الأمم الحليفة قد قررت وضح حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين بتأييد تام من حكومتنا ومن شعبنا”. الولايات المتحدة الأمريكية بهذا أصبحت حاضنًا وشريكًا للفكرة الصهيونية، ومن خلال سنوات الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر اهتماما بالمشروع الصهيوني مما دعا الرئيس الأمريكي (تيودور روزفلت) إلى توجيه الدعوة لعقد مؤتمر دولي لبحث مشكلة اللاجئين الأوربيين وخاصة اليهود منهم. كان الرئيس الأمريكي يهدف إلى اغتنام فرصة انعقاد المؤتمر للتركيز على فلسطين كحل لمشكلة اللاجئين اليهود وقد هدف الرئيس الأمريكي روزفلت أيضًا إلى نقل المبادرة إلى أيدي حكومته في قضية اعتبرتها بريطانيا من اختصاصها؛ لأنها بذلت جهدًا كبيرًا لرعايتها منذ كانت مجرد فكرة قبل مئات السنين، لكن الولايات المتحدة انتقدت الحكومة البريطانية لأنها وضعت قيودًا على هجرة اليهود إلى فلسطين في محاولة لإيقاف ثورة العرب الفلسطنيين.

أعلنت الحكومة الأمريكية تأييدها ودعمها لهجرة اليهود إلى فلسطين. وبعد انتهاء “مؤتمر يالطا” الذي عقده الحلفاء في شهر شباط 1945م، توجه روزفلت إلى مصر؛ حيث اجتمع بالملك فاروق ثم اجتمع بالملك عبدالعزيز آل سعود الذي وصل إلى مصر على ظهر ناقلة أمريكية، وبحث معه موضوع هجرة اليهود إلى فلسطين.

كان موقف الملك عبدالعزيز – رحمه الله – هو الرفض القاطع لهجرة اليهود إلى فلسطين، يذكر أكرم الحوراني في مذكراته الجزء الأول ص 379 ما يلي: “أوفد الرئيس روزفلت الكولونيل (هوكستر) إلى ابن سعود للتأكد من أن الملك عبد العزيز يقبل بالاجتماع مع وايزمان أو أي موظف آخر في الوكالة اليهودية، إلا أن الملك لم يقبل بالفكرة إطلاقًا، وأخبر المُوفد بغضب أنه لن يقبل أن يرى وايزمان، وأنه لا يستطيع التكلم باسم فلسطين، ولا أن يسلمها إلى أيدي اليهود”. وَمِما يؤسف له أن الحكومات العربية كانت – آنذاك – لم تدرك عمق دور الولايات المتحدة والرئيس روزفلت في تأييده لليهود في المشروع الصهيوني. روزفلت اجتمع بعد شهر من موقف الملك عبدالعزيز بالدكتور (ستيفن وايز) رئيس مجلس الطوارئ الصهيوني في الولايات المتحدة؛ حيث أبلغه روزفلت بأنه قد أوضح موقفه إزاء الصهيونية في تشرين الأول 1944م، وأنه لن يبدل موقفه، بل سيواصل السعي لتحقيق المشروع الصهيوني في أقرب ما يمكن من وقت، ومن ناحية ثانية، أعرب الرئيس روزفلت عن ارتياحه ورضاه عن خطة الحزب الديموقراطي التي تنص على: ” تحبيذ فتح فلسطين لهجرة واستعمار يهوديين غير مقيدين”.

أكرم الحوراني في مذكراته عن روزفلت قال :” إنه لا يمكن التوصل إلى أي حل للمشكلة الفلسطينية عن طريق التعامل مع ابن سعود”، وفي طريق عودته إلى الولايات المتحدة توصل روزفلت على ما يظهر إلى الاستنتاج بأنه “من الضروري القيام بطريقة جديدة كاملة “.

نرى أن الرئيس فرانكلين روزفلت كان موقفه ناتجًا عن الضغط الصهيوني عليه وعلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وخوفه على المصالح البترولية للولايات المتحدة في المنطقة العربية. ولكن نائبه (ترومان) الذي خلفه بعد وفاته قد حسم الموقف الأمريكي بانحياز كامل لجانب الصهيونية. ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939م، احتلت الحركة الصهيونية مواقع متميّزة في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. ازداد النقد الأمريكي للإدارة البريطانية وكتابها الأبيض الذي أصدرته لإيقاف هجرة اليهود إلى فلسطين.

ولذلك أدرك زعماء الحركة الصهيونية أن قوة بريطانيا ومركزها العالمي قد اهتزّ وبدا الضعف فيها، ولهذا تم تحول الصهاينة السريع باتجاه التعاون مع الولايات المتحدة، والحرب ما زالت قائمة، حيث صار واضحًا لهم أن واشنطن سوف تخرج من الحرب قوية وتحتل زعامة النظام العالمي، وهنا نقلت الصهيونية مركزها من لندن الى مدينة نيويورك ووضعت نفسها في خدمة الإدارة الأمريكية.

في شهر أيار من عام 1942م عقدت الحركة الصهيونية اليهودية أول مؤتمر لها في الولايات المتحدة في فندق بلتمور، وأعلن دافيد بن غوريون ، أحد زعماء المنظمة ولاء المنظمة الصهيونية للإدارة الأمريكية قائلا؛ “لم يعد باستطاعة اليهود الاعتماد على الإدارة البريطانية في تسهيل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين”.
في الوقت ذاته شهدت الولايات المتحدة الأمريكية نشاطًا صهيونيًا محمومًا يتلائم مع متطلبات ما بعد الحرب العالمية الثانية. دعاية أمريكا للصهيونية تم فيه التالي:
– تشكيل اللجنة الأمريكية لفلسطين التي ركزت جهودها لاستقطاب السكان المسيحيين في أمريكا لدعم المشروع الصهيوني، وتأمين موقف مؤيد للصهيونية اليهودية بين رجال الدين المسيحي، ومنذ عام 1944م تبنى الحزبين الجمهوري والديمقراطي برامج مؤيده للصهيونية في حملات الدعاية للانتخابات الرئاسية.
– تعبئة عامة شملت جميع الأجهزة الحكومية والشعبية في أمريكا، والتي تمخض منها تشكيل عدد من أعضاء مجلس الشيوخ كتل مناصرة للمشروع الصهيوني.
– عام 1942م انضم ثلث أعضاء مجلس الشيوخ إلى عدد كبير من الشخصيات الأمريكية في توقيع على عريضة تطالب الحكومة الأمريكية بتشكيل جيش يهودي ينضم إلى صفوف الحلفاء في الحرب.

أما الحركة الصهيونية فهي الأخرى بذلت قصارى جهدها لتواكب تنفيذ قرارات المؤتمر الصهوني الأول المنعقد في سويسرا عام 1897م والتي منها:
– تأسيس جمعية يهودية تمثل الاتحادات المالية اليهودية.
– مواصلة تأمين خطة هجرة الزراعيين والصناعيين من اليهود إلى فلسطين.
– جعل اللغة العبرية لغة رسمية، ويجب أن يتعلمها جميع اليهود وبخاصة المهاجرين إلى فلسطين، أحد الوثائق السرية التي بُحثت في هذا المؤتمر ما يُدعى بروتوكلات حكماء صهيون.

ختامًا؛
ما تم ذكره في المقالين دهاء ومكر استعماري أوربي وأمريكي وشيطنة صهيونية، وظلم انتهكت فيه الحقوق والقيم الإنسانية، لا زالت إفرازاتها وأنينها إلى اليوم. والتغيير يتطلب القدوات والصدق بأخذ العبرة وتعلّم الدرس. حتى لا يكون الحال كما تقول العرب فيه: ضِغْثٌ على إبَّالَةٍ، وهذا وصف لتراكم هموم ومشاكل فوق بعضها.

رد واحد على “أمريكا .. واحتضان المشروع الصهيوني”

  1. يقول حسين برو:

    تحية طيبة
    لو تفظلتم ارسال المقال الأول السابق لهذا المقال.
    مشكورين مأجورين إن شاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *