الرأي , خربشة ومغزى

الصَّابِئة .. ديانةٌ جذورها عميقة

أحمد عبدالله الحسين

كاتب مهتم بالتاريخ والادب ومحاور علم الأنثروبولجيا

الصابئة ديانة لها قِدَم سابق في الديانات المشرقية، واتباعها أقلية يعتبرون أنفسهم من أحفاد البابليين القدامى ومعتقدهم أن الخالق واحد.

جاء ذكر الصابئين الأاوائل الحنفاء في القرآن باعتبارهم أتباع دين كتابي، وهم من حيث المبدأ يعتقدون بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لا تناله الحواس، ولا يفضي إليه مخلوق. والصابئة ينسبون أنفسهم إلى النبي يحيى بن زكريا.

اسم الصابئة يُشتق من كلمة الفعل الآرامي “صبا”، ويعني تَعمّد أو اصطبغ أو غطس في الماء، وهكذا يفعل الصابئة في طقوس التعمّيد في الأعياد والزواج والوفاة.

مواطن الصابئة حالياً على الضفاف السُفلى من نهري دجلة والفرات في العراق، خصوصاً مدن العمارة والناصرية والبصرة والقرنة، وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهنالك عدد قليل في إيران على ضفاف نهر الكارون.

الصابئة يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها.ومعبد الصابئة يُطلق عليه المندي، وهذا تذكره كتبهم المقدسة، وفيه تجري طقوس تعمّيد رجال الدين، والتي تُقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، ومن اسم المندي أخذت الصابئة وصف المندائية، وكذلك المندائية مسمى للغتهم المقدسة،وهذا الاسم هو ما تحمله الطائفة المتبقية حالياً والذين لا يتجاوزون الآلاف.

الصابئة يحترفون الزراعة وصيد السمك والحرف اليدوية، كصياغة معدن الفضة لتزيين الحلي والأواني والساعات، كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية
والحدادة وصناعة الخناجر.

كُتب الصابئة متعددة نذكر منها وأهمها كتاب سيدرا ربّا، ومعناه الكتاب الأكبر، وكذلك الكنزا ربّا ويسمى الكتاب العظيم الذي يعتقدون أنه صحف آدم عليه السلام ويحوي إشارات عن نظام تكوين العالم مع ذكر أدعية وقصص، وهذا الكتاب تُوجد نسخة مخطوط في المتحف العراقي. وكتاب آخر
هو دراشة إديهيا أي تعاليم يحيى بن زكريا. أما كتاب الفلستا فهو متخصص بشأن عقود الزواج والخطبة والاحتفالات. 

وهنالك كتاب اسمه سدرة إدنشاماثا وفيه تعاليم التعمّيد والدفن والحِداد وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض، ومن ثمّ إلى عالم الأنوار، وتوجد نسخة من هذا الكتاب في المتحف العراقي. وهناك كتاب الديونان، ويتناول قصص وسير بعض الروحانيين وصورهم، وهنالك كتب أخرى مقدسة لها اعتبارها عند الصابئة.

الصابئة ضمن مجتمعم العربي والإسلامي أسهموا إيجاباً على امتداد العصور منها مثلا بروزهم في العَصرِ العَباسي في التَّرجمة لعلوم الطِّب والفَلك والفَلسفة والرِّياضيات، واستمر الصابئة في دورهم العِلمي والمَعرفي والفَني إلى يومنا هذا.

من أبرز رجالات الصابئة نأخذ مثلاً في العهد العباسي وأميزهم ثابت بن قرة المُتوفي في بغداد عام 901م، وهو من برع في ترجمة علوم الطِّب والرياضيات والفلك والفلسفة من اليونانية للعربية؛ حيث شملت كتب إقليدس وأرخميدس وبطليموس وجالينوس وأرسطو وأبقراط وغيرهم، وكذلك أبو إسحاق الصابي المُتوفي في بغداد عام 994م، وكان بارعاً باللغة والفلسفة والطب والرياضيات. وآخر هو غرس النعمة الصابي المُتوفي في بغداد عام 1087م وهو مؤرخ وأديب ذكر عنه الزركلي في كتابه “الأعلام” أنه أنشأ داراً ببغداد ووقف فيها أربعة آلاف مجلد في فنون العلم.

الصابئة لهم مشاهير عبر الأزمان فيهم علماء وأكاديميون وشعراء أثروا بعطائهم داخل العراق وخارجه، نأخذ منهم الشاعر العراقي الذي بزَّ اقرانه،
عبدالرزاق عبدالواحد المُتوفي عام 2015م، والذي ترجم إلى العربية كتاب الصابئة المقدس كنزا ربّا. عبدالواحد كان شاعر وطن إذ طرَّز وافِر شعره على ترابه حُبّاً وولاءاً وفخراً واعتزازاً ليصدح:
وحين أغفو وهذي الأرض تغمرني
بطينها وعظامي كلها بللُ
ستورق الأرض من فوقي وأسمعها
لها غناءٌ على أشجارها ثمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *