خربشة ومغزى

ذو الحِجَّة .. شعائر وعيد

أحمد بن عبدالله الحسين

شهر ذو الحجة شهر تُختم به السنة القمرية، وهو أحد الأشهر الحرم الأربعة المذكورة بالقرآن الكريم (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم متتالية وينفرد عنها رجب)، ﴿إن عِدَّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حُرُم﴾.

القبائل العربية توقَّر هذه الأشهر بالسلم فلا إغارة أو تحريض أو هجاء فيه، وذو الحجة يتميز بينها حيث تُقام شعائر الحج والتعظيم لبيت الله، ومن الحج أخذ الشهر اسمه، وبملتقى الحج قديما تتنادى جموع القبائل والناس بالأسواق للتجارة والشِّعْر، وبعضهم للتو انصرف من سوق عكاظ أواخر ذي القعدة قادما إلى مكة. ذو الحجة يوم التاسع فيه شعيرة الوقوف عند جبل عرفات، ويومه العاشر عيد الأضحى الذي شُرعت الأضحية فيه طاعة لله، وقصها القرآن الكريم عن إبراهيم عليه السلام.

يحتفل المسلمون بعيد الأضحى ، والعِيدُ معناه موسِم لكلُّ يومٍ فيه جَمْعٌ؛ وكذلك هو اسمٌ لِمَا يعودُ من الاجتماعِ العامِّ على وجهٍ مُعتادٍ، والعيد عائدٍ بعودِ السَّنةِ، أو بعودِ الشَّهر، أو الأُسبوع، والعِيدُ كلُّ يوم يُحتفَلُ فيه بذكرى كريمة أو حميمه، وجمع العيد أعياد.

كلمة التعييد وجذرها عِيد، وهي على وزن التَّفْعِيل. حيث يأتي التعييد بمعنى عَيَّد الناسُ. وتهنئة بالعِيد هي دعوة بالهناء والبركة. والقول عادَه عِيدٌ، فهذا أصله هنا أن الواو بدل الياء أي عود، إذ الاشتقاق من فعل عاد يعود كأنهم عادوا إلى العِيد، بل سُمّي عيداً لأنهم قد اعتادوا لأن الياء في العِيد أصلها واو، وإنما قُلبت ياءً لكسرة في حرف العين قبلها.

وللمُسلِمينَ عِيدانِ عيدُ الفِطرِ أوَّلُ يومٍ من شوَّال، وعيد الأضحى اليومُ العاشرُ من ذي الحجَّة، وليس للمُسلمين عيدٌ غيرُهما إلَّا يوم الجُمُعة. والشعوب لها أعياد تتنوع وتتعدد، واكثرها لها جذور دينية حتى تشمل أغلب الأعياد القديمة، وهنالك غيرها له ارتباط بمظاهر الطبيعة، مثل مواسم المطر أو الحصاد. والأعياد في تاريخ بابل وبلاد النيل وأثينا وروما يكثر فيها الاحتفال والاختلاط.

الأضحية في العِيد تشير لها الديانات الإلهية للتقرب للخالق ككبش إسماعيل وبقرة موسى التي ورد عنها نص صريح في التوراة والقرآن. والقرابين لا تقتصر على الأعياد فقط بل تُقدم كذلك في النذور حيث اورد التاريخ لنا أن عبدالمطلب قد افتدى ابنه عبدالله بمائة من الإبل تلبية لنذر كان قد قطعه على نفسه.

هنالك موروث أعراف واحتفاليات تصاحب العيد عند الأمم كلبس الجديد والتزاور والولائم، وبهجة الاطفال والهدايا والكرنفالات والمواكب، وانتشار الرياحين والأزهار وإطعام الحلوى. رُوي ان دولة المماليك الإخشيدية في مصر كانت العادة عندهم جرت بمشاركة الجيش بعرض عسكري كبير. والأمير الأخشيدي على باب الإمارة ينظر لعرض الجنود المارين أمامه، ثم تُمد مائدة كبيرة لكل الناس، وفي نجد مثلا يُقدم الطعام المصنوع في البيوت في أزقة الأحياء صباح يوم العيد. ولهذا تجد الطعام والشراب من مراسم فرحة العيد، وهي منتشرة بطرائق مختلفة بمناطق المملكة وبلدان العرب والمسلمين. لذا مدّ الموائد وعليها صنوف الأكل يُعد في حد ذاته عيداً، لارتباط الأكل بالفرح. وهو ارتباط قديم، حيث يأتي دائماً العيد مربوطاً بالأكل. وفي الإنجيل ما يؤيد ذلك. وينقل القرآن الكريم صورة من الربط قال تعالى: (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا).

ترقبْ العِيد فيه لهفة انتظار حتى يقول احدهم؛ يا عيد ما لك من شوق وإيراق، ومر طيف، على الأهوال طراق، وكأن في ذلك تسأُل؟ يا عيد ما لك وما حالك وشأنك وقد اعتدنا فيك الحزن والشوق، وما أعظم الشوق لك، فلنردد جمعيا إذا أتى العيد حين يُقال أتى:
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به
وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبِرِّ تزرعه
وعند ربي يخبي المرء ما زرعا

ختاما؛
تجود قرائح الشعراء بالعيد كقول:
العيد في أن يكون السعي مزدهراً
وأن يكون لدى الرحمن مبرورا
العيد في أن يكون العيش في دعة
والجسم في صحة والحال مستورا
العيد في أن أرى (غفران) ضاحكة
والبشر يطفح من ألحاظها نورا
العيد في أن أرى حبل الوداد هنا
بين الفؤادين موصولاً وموفورا
العيد في أن يكون الشمل مجتمعاً
وأن أكون بعطف الجمع مغمورا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *