خربشة ومغزى

الأمازيغ (البربر) .. هويةٌ وتاريخٌ

أحمد بن عبدالله الحسين

الأمازيغ أو ما يُطلق عليهم البربر لهم صفة مائزة بين سائر الأقوام التي عمَّرت من قديم الأزمان؛ إذ صمدوا لتقلبات التاريخ ومحاولات الاحتواء، وهم لا يزالون كمجرى ثابت في أكثر من اثني عشر بلدًا يمتد من غرب مصر إلى أقصى الشمال الأفريقي، ومن البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب النيجر.

وإذا كان الأمازيغ يشكلون أقلية بين ساكني منطقة شمال أفريقيا، فهي أقلية لها وزن وأهمية يقدر تكاثرهم قرابة 25% بين ساكنة الجزائر وأكثر من 35% في المغرب.

اختلف المؤرخون في رصد أصول الأمازيغ، وإن غلب عندهم الرجوع بتلك الأصول إلى المشرق، وإن تاريخ مجيئهم منطقة شمال أفريقيا قبل تسعة آلاف سنة؛ إذ شكلوا قبائل وأقاموا لهم ممالك عديدة، ثم أُبتلوا فيما بعد بالاحتلال الروماني، وعرفوا التمسيح، ودخلوا تحت الهيمنة الوندالية. الوندال هم أحد القبائل الجرمانية التي اقتطعت جزءًا من الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس ميلادي، وأسسوا دولتهم وعاصمتها قرطاج (التي تعود تاريخيًا إلى الكنعانيين (الفينيقيين)، بعدها تعرض الأمازيغ للفتح الاسلامي، ودخل كثيرًا منهم الإسلام في أقل من قرنين من الزمان.

اسم الأمازيغ هو ما يؤثرون أن يطلق عليهم كاسم، وكلمة مازيغ مفرد وَيُحمل في اللغة الأمازيغية على معنى الإنسان الحر النبيل، أو ابن البلد وصاحب الأرض، ويُحتمل عند بعض المؤرخين أن اسمهم ينسب إلى جدهم “مازيغ”.

أما اسم بربر فهو تحريف للصفة اللاتينية باباروس أي الأجنبي الذي لا ينتمي الى الثقافة الإغريقية، وكذلك فعل الرومان في إطلاق اسم البربر على ما لا ينتمي إلى منظومة حضارتهم وظل هذا اللفظ لصيقًا بهم حتى الفتح الاسلامي. هناك اختلاف في أصول البربر عند المؤرخين إلا أن ابن خلدون المُتوفى عام 1406م يدفع برأى في كتابه “تاريخ ابن خلدون”
المسمى (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) ، قائلا:”والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم (البربر) أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليقة وأن اسم أبيهم مازيغ”.

اللغة الأمازيغية تدخل في أسرة اللغات المسماة الحامية السامية والتي تضم اللغة المصرية القديمة (والقبطية هي شكلها الحديث) والسامية لوجود عناصر تقربها لبعضها سواء بالتشابهات المعجمية أو في بناء الأفعال والتصريف والهيأة الثلاثية في جذور الكلمات.

يتقسم الأمازيغ إلى فروع في الشمال الأفريقي فالطوارق هم البدو الأمازيغيون الأصليون في الصحراء الكبرى. والزنتان قبائل أمازيغية تقطن في شمال غرب ليبيا. والمور هم أمازيغ السكان الأصليون لموريتانيا. والصحراويون هم أمازيغ الصحراء الغربية.

حينما يُذكر الأمازيغ يبرز اسم من مشاهيرهم كطارق بن زياد المُتوفي عام 720م، وهو قائد الفتح الإسلامي لشبه جزيرة آيبرية (إسبانيا والبرتغال وجبل طارق حاليا) بأمر من موسى بن نصير والي إفريقيا في عهد الوليد بن عبدالملك أثناء الخلافة الأموية. ويُنسب جبل طارق إلى الموضع الذي وطأه جيشه في فتح الأندلس. ومن البارزين منهم ايضًا ابن بطوطة المُتوفى 1377م والمولود في طنجة، رحالة ومؤرخ وقاضي وفقيه، طاف في البلاد العربية وفارس وبلاد ما وراء النهر وبعض بلاد الهند والصين وجاوه وأواسط إفريقيا ودَوَّن رحلته بكتاب “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ” التي ترجمت إلى لغات عديده في العالم. وابن رشد من الأمازيغ والمتوفي عام 1198م ويُطلق عليه “Averroes” أي الشارح؛ لأن الغرب استطاع أن يفهم فلسفة “أرسطو” للعلم والطبيعة وما بعد الطبيعة عن طريقه. وهو مولود في ملقة الأندلس جمع ما بين علوم الطب والفقة والفلك والفلسفة وبين الفطنة السياسية. ويُنسب كذلك لهم ابن منظور المُتوفي سنة 1311م، وهو صاحب المعجم التحفة لسان العرب. وعالم النبات والصيدله والطب ابن البيطار أمازيغي مولود في ملقة بالأندلس وتوفي عام 1248م، وهو أميز عالم.

ومن الأحداث التي دَوَّنها التاريخ عنهم نصرة قبيلة كتامة الأمازيغية لعبيدالله المهدي مؤسس السلالة العُبيدية والدولة الفاطمية الإسماعيلية (909-1171)م، واتخاذ المهدية عاصمة، وهي على الساحل الشرقي لتونس، وبعدها أسسوا القاهرة عاصمتهم الجديدة. وكذلك تاسيس الأمازيغ دولة الموحدين (1121-1269)م، وهم من قبيلة صنهاجة الأمازيغية، حكمت المغرب والجزائر وليبيا وتونس والأندلس وعاصمتها مراكش.

التعريب للأمازيغ حدث بعد الفتح الإسلامي، ويُنسب معظمه لقبيلة بني هلال في القرن الحادي عشر ميلادي، وبنو هلال هي قبيلة هوازنية قيسية مضرية عدنانية رحلوا عبر الزمن
من أواسط نجد ثم الشام فمصر، واستقر بهم المطاف في بلاد الشمال الأفريقي. وكذلك موجات الهجرة اللاحقة لبني سليم، وهم قبيلة قيسية مضرية عدنانية رحلوا من الحجاز ونجد. وبنو معقل ويُرجَّح نسبهم إلى مضر بن نزار القبيلة العدنانية رحلوا مع بني هلال واستقروا في جنوب المغرب.

ختامًا؛
يبقى الأمازيغ لهم جذور في أعماق التاريخ الإنساني بعاداتهم ولغتهم وثقافتهم، وهم قد أضافوا في حركة التاريخ والأحداث، وأسهموا في لحمة الأمة الاسلامية. وامتدادهم في الحاضر عامر بنخبهم العلمية والفكرية والأدبية والإثراء الثقافي في الجامعات والمؤلفات، ويدفعون بهويتهم وتميزهم بين الشعوب المعاصرة.

ردان على “الأمازيغ (البربر) .. هويةٌ وتاريخٌ”

  1. يقول علي بوقعيقيص:

    أحسنت يا بوعبدالله وأثريت معرفتنا. موضوع شيّق جداً.

  2. يقول جلوي القحطاني:

    لا غرابة كاتب كبير عن جدارة 🤍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *