خربشة ومغزى

معارك العرب مع الفُرْس .. تاريخ ناطق

أحمد بن عبدالله الحسين

هنالك عديد معارك للعرب مع الفُرْس قبل الإسلام وبعده، دفعتها أسباب تفصيلها يطول، وهذا المقال يتناول – باختصار – بعض معارك العهد الإسلامي. كانت المراحل الأولى لتلك الحروب برية؛ حيث لم يكن هناك وسائل نقل بحرية كافية تتيح الانطلاق بعيدًا عبر البحار، إلا أن هنالك إدراكًا من قبل قادة العرب المسلمين لقيمة الثغور البحرية، فكان ميناء الأُبُلّة القريب من البصره والواقع على فم الخليج العربي مهمًا، فتكرس الاهتمام في السيطرة على مدينة الأُبُلَّة لتكون قاعدة بحرية. تم هذا أثناء قيادة خالد بن الوليد حملة ضد الفُرْس عام 12هـ في معركة ذات السلاسل أو كاظمة، وموقعها على الساحل الغربي للخليج العربي، وهي مدينة الجهراء بالكويت حاليًا. انتصر العرب المسلمون فيها، وقُتل القائد الفارسي هرمز، وتم التمكن من ميناء الأبلة. هذا الانتصار أعقبه معارك على الأكاسرة بقيادة خالد بن الوليد مهدت لإسقاط الإمبراطورية الفارسية.

وللمزيد عن معركة كاظمة أو ذات السلاسل، يذكر التاريخ أنها سُميت ذات السلاسل لأن الفُرْس شدوا بعضهم إلى بعض بالسلاسل ليكون القادة في مأمن من هرب جنودهم وثباتهم في أماكنهم حتى النهاية بالظفر أو الموت.

معركة كاظمة حدثت عام 12هـ الموافق 633م، ذكر ياقوت الحموي في كتابة “معجم البلدان” عن موقع كاظمة أنها “على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان وفيها ركايا كثيرة وماؤها شروب “. وقد أكثر الشعراء في مدحها كقولهم:
مُرسِلاً في الدُجى مِن أَرضِ كاظِمَةٍ
خَيالُهُ مُعرِضاً عَنّي بِلا سَبَبِ
لا تَمنَعِ الطَيفَ مِن طيبِ الوِصالِ فَما
يَضُرُّهُ أن يُريني الصِدق في الكَذِبِ

الفُرْس أدركوا أن المسلمين يعدون العدة صوب معاقلهم، فسارع القائد الفارسي هُرمز وكان – آنذاك – يحمي الثغر في ميناء الأبلة الواقعة في البصرة ليجمع جيشه، كما طلب النجدة من العاصمة الفارسية في مدينة المدائن، والتي تقع جنوب شرق بَغْداد.

هرمز عبّاْ جيوشه وهو في الطريق أدرك أن المسلمين قرروا منازلتهم في موقع اسمه الحفير التي سرب الخبر عنها خالد بن الوليد، وهذه كانت مناورة منه. دفع هذا هرمز للتوجه إلى الحفير ليسبق خصومه تاركًا كاظمة، وذهب خالد وجيشه إلى كاظمة. أراد خالد من ذلك الفخ استغلال نقطة ضعف الجيش الفارسي وتكبيده الجهد بنقل أسلحته الثقيلة. غضب هرمز من هذه الخدعة الحربية، فما كان من بد إلا تحريك جيشه نحو كاظمة، حيث عسكر بالقرب من موارد الماء ليمنعها عن أعدائه فأثار ذلك حماسة المسلمين، فخطب خالد بجنده قائلاً:
أَلا انْزِلُوا وَحُطُّوا أَثْقَالَكُمْ، ثُمَّ جَالَدُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ، فَلَعَمْرِي لَيَصِيرَنَّ الْمَاءُ
لأَصْبَرِ الْفَرِيقَيْنِ وَأَكْرَمِ الْجُنْدَيْنِ.

التحم الجيشان عند كاظمة في معركة حامية الوطيس، تضرجت خلالها الأرض بالدماء، وأسفرت عن نصر حاسم للعرب المسلمين وكان من بين القتلى القائد هرمز. بعدها توجه خالد إلى ثغر الأبلة وما جاورها من الحاميات الفارسية ليعزز نصره تحسبًا لأي هجوم فارسي مباغت. وهكذا كانت معركة كاظمة بداية انحسار الفُرْس لإخراجهم عن أرض العراق؛ حيث تبعها معارك أخرى. فكانت موقعة المذار عام 12هـ شمال الخليج على ضفاف دجلة بين بلدتي العمارة والقرنة، وتبعتها معركة الولجه نفس العام 12هـ، والتي تقع على الفرات، ثم معركة الحيرة التي تقع جنوب وسط العراق على مسافة 7كم جنوب مدينتي النجف والكوفة. كانت الحيرة فيما سبق مملكة المناذرة أسسها اللخميون قبيلة كهلانية قحطانية، وأسقطها الفرس.

وفي عام 13هـ توالت المعارك فكانت معركة بابل، ثم معركة الجسر قرب قرية قس الناطف على الفرات؛ حيث كان العرب على ضفته الغربية والفرس على ضفته الشرقية وثمة جسر يصل بين الضفتين، ثم معركة البويب عام 14هـ والتي تقع قرب الكوفة، أعقبتها معركة القادسية الشهيرة عام 16هـ، وقائدها سعد بن أبي وقاص، وموقعها شرق الفرات جنوب الكوفة، والتي كان انتصارها إيذانًا بانهيار إمبراطورية فارس ونذير شؤمٍ لها وطرد الفُرْس من العراق. وهذا ما كان في معركة المدائن عام 16هـ، والتي تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة 35كم جنوب شرق بغداد، وهي عاصمة استعمرها الفُرْس.

وبهذه السلسلة من المعارك وغيرها من التتبع للجيش الفارسي التي لم تقف عند العراق؛ بل طالت العمق الساساني في بلاد فارس نتج عنه تثبيت العراق والخليج ومرجعيته العربية.

ختامًا
خطت انتصارات هذة المعارك مع الفُرْس منذ بزوغ فجر الإسلام استرجاع الأراضي العربية لهويتها، ودحض إمبراطورية تسلطت وتربصت بالعرب قرونًا طويلةً. حسرة هذا الإرث التاريخي لا زال علقمًا للفُرْس، صدى أنينه باقٍ في بواطن دهاقنتهم ومتعصبوا قوميتهم.

ردان على “معارك العرب مع الفُرْس .. تاريخ ناطق”

  1. يقول احمد بن عبدالله الحسين:

    استاذ منصور
    طاب وصلك، وقرات ملاحظتك على المقال، وهذه هي مواطن ما ذكرت فلم يُبتر ذكر العربي وهي كالتالي؛
    -الساحل الغربي للخليج العربي
    – فم الخليج العربي
    – تثبيت العراق والخليج ومرجعيته العربية (وهنا السياق يتطلب تاخير ذكر العربي، وإلا يكون تكرار ومكسور البنيه)
    احمد

  2. يقول منصور محمد العبيد:

    استاذنا أحمد
    السلام عليكم ورحمة الله
    الرجاء تجنب بتر مسمى الخليج العربي و… سامحونا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *