هواجيس

لا أعلم .. !

في الحديث يروي أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه . والمعنى هنا: مَن استفتى غيره، وطلب منه إيضاح أمر من أمور الدين فأجابه المفتي بغير علم فإن إثم المستفتي يقع على المفتي. الذي أعطاه جواباً عن جهل .

ولعل المقولة الشهيرة : من قال لا أدري فقد أفتى.. وهي متوارثة في مقولات للعلماء السابقين.. دون السبر في معانيها وأسبابها. تُبيّن هنا الخوف من الجرأة على الله بعلم لا يعلمونه وفقه لايدركونه .. وهو سلوك يبين عمق العقيدة وصحتها. وهذا فيما يتعلق بأمور ديننا..

حينما يمرض المرء يذهب للطبيب.. وحينما تكون علته أكثر إيلاماً يذهب لطبيب مختص.. وهكذا؛ لأن الأمر يتعلق بحياته وحرصه عليها. ويذهب التاجر لمن تخصص بالمحاسبة لكي يمسك دفاتره، ويضبط ماله، ويحصر له ربحه وخسارته. وعندما تمتلك سيارة ثمينة للغاية لن تصلحها إلا في وكالتها؛ حرصاً على إصلاحها بطريقة صحيحة.

ولكننا نعيش في زمن أصبح الجميع يفتي.. الجميع يفتي لك. في كل أمور الحياة.. وهو يمارس نوعاً من التدمير العلمي في منظومة الإنسان.. فتجد من يروج للأعشاب لعلاج الأمراض ويُقسم بأنها علاج ناجح للسكر والضغط وغيرها. وهناك من يفتي عليك بنوع غذاء .. وكم دمروا من البشر بفتياهم دون أن يعلموا..

مشكلتنا أننا في مجتمع لا يعترف بكلمة ( لا أدري أو لا أعلم). هناك طبيب يفتي بكل أنواع الأمراض والفيروسات والبكتيريا وتطوير الذات وصناعة الخبز.. ( عكوز بكوز في كل مكان مركوز) ، وتتلقفه وسائل التواصل الاجتماعي وتشهره.. لا يهم العلم الأهم الشهرة..

وهناك من يدعي أنه مدرب حياة life coach .. وكأنّ الناس لن يعرفوا كيف يعيشوا بدون ما يدربهم.. والقضية كلها تجميع أموال.. أجدادنا وأسلافنا ما كان عندهم مدرباً للحياة.. أفتح القرآن، وأعمل بموجبه، وأقرأ السيرة النبوية، وأعمل بموجبها.. سوف تجد نفسك أسعد ممن تدخلوا بحياتك ليعلموك كيف تتنفس؟

فنحن نعيش في زمن الجهالة التي أنجبت لنا أغبياء، تكاثروا وأنجبوا لنا الحماقة.. فأصبحوا متسيدين الموقف. متبوأين المشهد .. سفالة سلوك وانحطاط فكر وسوء أدب.. أصبحوا يقودون المشهد .. في وقت انتحرت فيه مفردة ( لا أعلم) .. وختاماً؛ لا أعلم إن كنت قد أفدتكم.. ولكن أرجو الله أن يجعل في حرفي نفعاً وسطري فهماً..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *