خربشة ومغزى

“المانع مؤلف كتاب عنوانه؛ ‏Arabia Unified : A Portrait of Ibn Saud”

أحمد بن عبدالله الحسين

المانع هو محمد بن عبدالله أحد الأعلام المميزين الذين تَرَكُوا أثرا وحضورا، حينما رافق الملك الأسطورة عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود. كان مولده عام 1903م في بلدة الزبير، وهي تُسمى وادي السباع تاريخيا. هذه البلدة نجدية الولاء والانتماء وتابعة لجغرافية العراق حيث موقعها جنوب غربي مدينة البصرة.

حينما بلغ محمد العاشرة من عمره ذهب في رحلة الى الهند من البصرة، لتجارة بيع الخيول العربية مرافقا أباه عبدالله، الذي تنتمي أسرته إلى مدينه جلاجل في نجد. تجارة الخيول للهند كانت جاذبة لسلاح الفرسان الإنكليزي، حيث يتم امتطائها في مهرجاناتهم، ولها قبول خصوصا في رياضة البولو الشهيرة عندهم آنذاك. وبالمناسبة عُرفت الخيول العربية الأصيلة بتوطِئها لراكبها وبنيتها رشيقة، وتتحمل العطش ولا تُصدر صوتها لصبرها. ولهذا حُفظت سلالاتها لمكانتها المعروفة، ولها اسماء مثل؛ كحيلان، العبيان، حمدان سميري، صقلاوي جدران، الهدبان، المعنقي. الجزيرة العربية والعراق والشام يأتي منها الأغلب في توريث تلك الخيول.

محمد المانع مكث اثنتي عشرة سنة في بومبي، الاسم القديم لمومباي اليوم. أتم فيها المرحلة الثانوية تلميذا في المدارس الإنكليزية، بعدها عاد للبصرة طالبا للعمل و إلى مدينة الزبير التي كانت سكناه.

المانع كان يحدوه الأمل للإلتحاق بديوان الملك عبدالعزيز، فتحقق له مُناه عام 1926م مترجما في ديوان الملك لتسع سنوات. عاش فيها شاهدا ومشاركا أسفار الملك عبدالعزيز وغزواته، سيما أن تلك الفترة الزمنية شهدت ملحمة توحيد المملكة، وبداية حكاية البترول. تلك الحقبة الزمنية ألهمت الوجيه محمد المانع بشخص الملك وعبقريته وفطنته الفطرية وحكمته في التعامل مع الصديق والعدو، فأصبح للملك توفيقا وتسديدا أثمر بتأسيس بلد ترامت أطرافه بادية وحاضرة، وقبائل وشعوبا ارتسمت منها جغرافية لها ثقلها الاعتباري والسياسي على خريطة العالم.

المانع ألف كتابا في اُسلوب شيق وبقلم أديب مثقف، بل راوية بامتياز يهتم بالأسانيد لما عرفه وشاهده إو سمعه خلال مرافقته تسع سنوات للملك عبدالعزيز. وكان ذلك التدوين باللغة الاإكليزية التي أجادها، آخذا رأى بعض أصدقائه الإنكليز حينما ذكروا له انه ما كتب أحدا من أهل البلد عن الملك كتابا بالإنكليزي. فيسر الله له ذلك بعد زمن من مغادرته الديوان الملكي فكان الكتاب بعنوان؛
‏Arabia Unified : A Portrait of Ibn Saud
تُرجم بعدها إلى كتاب توحيد المملكة العربية السعودية. ضم الكتاب وصف لجزيرة العرب قبيل الملك عبدالعزيز،
وقصه الدخول على الرياض عام 1902م، وأسماء الرجال الذي كانوا معه حيث كانوا قِلة، وكيف تم تثبيت الحكم وتوسيعه بضم الحجاز وعسير وغيرها التي امتدت الى عام 1930م، وحكاية بعض بُطُون القبائل الذين تم تسميتهم بالإخوان ومعاركهم معه وضده، وما حصل مع اليمن، وقصة الزيت التي بدأت بتوقيع أول امتياز للتنقيب عام 1923م. كلُّ ذلك وغيره من صور لشخصيات عاصرت تلك الحقبة، وخرائط بينت مواقع أحداث ومراسلات الملك المتبادلة مع رؤساء أمريكا روزفلت وترومان عن فلسطين.

الكتاب يعتبر مصدر توثيقي في بعض ما ورد فيه، وهو کتاب لم يترك لنا سواه، والكتاب في طبعته العربية فيما يقارب أربعمائة صفحة، وقد كتبه من خميرة ذاكرته بعدما بلغ من العمر أكثر من سبعين عاماً، فسطر سرديته كشاهد عصر لأحداث حضرها وهو قريب من الملك عبدالعزيز في ديوانه، وما تناوله مع مستشاريه كفؤاد حمزة ووزير المالية عبدالله السليمان وغيرهم، وتكلم عن السليمان بعمق معرفة وسبر لشخصيته. وقد عقد المؤرخ المانع فصلاً كاملاً عن ديوان الملك عبدالعزيز ووصف انطباعه الأول عن أول لقاء له مع الملك عبدالعزيز بقوله؛ “لقد تأثرت فوراً بهيئته الجسمانية، كما تأثرت بالهالة التي تتسم بها شخصيته من حيث القوة العظيمة والذكاء والحكمة، ولقد سألني بلطف عدة أسئلة عني وعن أسرتي ثم طلب من فؤاد حمزة أن يسألني بعض الأسئلة باللغة الإنجليزية، وبعد أن أجبت عنها أخبره بأن لغتي الإنجليزية تبدو مرضية فدعاني إلى الانضمام إلى الشعبة الخارجية في الديوان”.

وذكر المانع:” كنت أشعر وأنا أغادر مجلس الملك بأنه قد درس قابليتي دراسة دقيقة، والواقع كنت متأكداً من ذلك الأمر؛ لأني بعد أن أمضيت معه بعض الوقت علمت أن إحدى مهاراته العديدة القدرة على وزن الناس وزناً سريعاً مضبوطا”

ختاما
كتاب توحيد المملكة العربية السعودية حين تتصفحه تجذبك قراءته، وأنت ماتع النظر لأسطره كأنك تشاهد مسرحا تتحرك فيه شخوص أتقنوا أدوارهم وإيصال حكايتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *