الرأي , ساقية

الشِّعرُ أُغنِيَةٌ “٢” (الهوية في شعر نزار قباني و محمود درويش)

هدى الناصر

كاتبة وقاصة

دار نقاش مع إحدى الصديقات حول شعر ( محمود درويش ) – و كانت تتعصب له – ، فيما كنتُ ميّالة لشعر معاصره ( نزار قباني )
، قلتُ :
لم ألحظ للمسحة الإسلامية في شعره أثراً .. ولا تشبيهات تخص المآذن و الأدعية و المساجد و كثير من الشعائر الخاصة بـالمسلمين ..
كما أجدها في شعر نزار قباني !
..
رغم أن الأخير متمرد على الرؤية الدينة – كما الصقوا به – ، و منفلت عن بعض العادات التي لم يرَ لها مسوغاً صحيحاً … إلا أننا نقرأ دينه بلا خلاف ، ونعرف طائفته و ملته بجلاء ، من تنوع تشبيهاته و اقتباساته و محاكاته لبعض ألفاظ القرآن الكريم أو الأحاديث و تسمية بعض الصحابة ..
و حتى سخريته من بعض رموز العرب المعاصرين لزمانه ، بتشبيههم ببعض كفار قريش كأبي لهب و أبي جهل .
..
نزار الشاعر .. تبرز هويته ” الدينية ، الاجتماعية ” في تعبيره عن غيرته بصرخات مجلجلة جريئة ، و كانت مخالفة للنمط السائد عند الشعراء – و إن شاركه البعض كأدونيس – ، فهذا ما جعل نقاداً ذوي المنظور العِرقي المتأسلم ، يحدّ له سكين المقصلة !
..
و قرأنا هويته ” البيئية ” التي يشاركه بها درويش ، حين نشم روائح أشجار الليمون ، و نتجول في ظلال عرائش الياسمين ، و الأشجار و الجداول الصافية .
..
لكن درويش الشاعر .. لا يكاد القارئ يعرف له هوية ” دينية ” واضحة .. أهو مسيحي أم مسلم أم شيوعي ؟
يُكثر من ألفاظ الآلهة و التماثيل ، مُشيحاً عن الإشارات الدينية الصريحة غالباً ، و نازعاً إلى سواحلها .
..
درويش أقرب للمفكر البويهمي ، مُنظّر للحياة و اشكالاتها ، و موهبته كأنها لوحة سريالية أخآذة ، و أكاد أجزم أن الفكرة ترهقه قبل نضمها .
..
و هو في ” الغزل ” أضعف فحولة من نزار ..
فلا أثر لعناق جامح ، أو حب عاصف .. إلا النزر من قصائده .

مشغول عن هويتها و كينونتها ، و لم يحمل عنها أي همّ دنيوي ، إلا أن تكون الصورة المعنوية المطابقة للوطن فقط !
..
بخلاف المرأة عند الشاعر نزار ، التي أخذت من كل حبّ بطرف
..
هي الحبيبة و المعشوقة و الوطن و التأريخ .. يرسم حدودها ، مجسداً مشاعر الأنوثة باحتواء و صبر و قوة ، حاملاً سيفه ضد أنظمة القهر بانفعال شرس .
و كلا الشاعرين أشاد بنموذج المرأة الأم ، الزوجة ، و الأخت .
..
لم أجد جرأة للنقاد في الاقتراب من ساحة شعر محمود درويش ..
فصوته بالحق الفلسطيني هو الأشهر ، و قلمه مدوناً للنضال الذي لم يُبتر .
تقاعس الكثير منهم عن فهم صياغاته الرمزية الوجودية – المدرسة الرمزية جديدة آنذاك – ، فتركوه إكبارا للقضية الفلسطينية المسلوبة ، و تورعوا عن شعر ينزف دماً بحُرقة .
فحولوه بهذا إلى حرم يحضر على الناقد الطواف حوله !

قطرة :

أنتِ اللغةُ التى
يتغيرُ عددُ أحرفها
كلَ يومٍ
و تتغيرُ جذورها
ومشتقاتها
وطريقةُ إعرابها
كلَ يومٍ .!
* نزار قباني
——

ما الذي يجعلُ الوطنَ
بين عينيك أجملا ؟
و الأساطيرُ و الزمنُ
تتمناكِ منزلا
أنتِ عندَ أمِّ الوطنِ
أم أنا الرمزُ فيكما . !
* محمود درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *