الرأي

شهر عسل.. التعليم والإعلام

حنان الحمد

كاتبة وباحثة في مجال الاستشارات التربوية والتميز المؤسسي

هدنة إعلامية

تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير التلفزيونية التي تركز على قرارات وزارة التعليم في سياق الإنجازات التي حققت بها نتائج ذات فاعلية وكفاءة بالرغم من أنها صدرت حديثا، والغريب أن تلك التقارير لم تنشر آلية تلك القرارات ولم تقارنها بنتائج قرارات سبقتها في ذات السياق للتأكيد على فاعلية وكفاءة المستحدث منها، كما أن هذه التقارير لم تبين كيف أثرت الإنجازات المستحدثة على مسيرة تطوير التعليم في المملكة العربية السعودية في جميع جوانبه خاصة الفكرية منها.

فها هو عنوان عريض يطرحه الإعلام الإلكتروني ناقلا تصريحا لمعالي وزير التعليم يقول فيه ” لن نسمح بفرض الوصاية والمعتقدات عبر المناهج الدراسية “، وتقريرا آخر يُظهر أن قرار تغيير مسمى قائد مدرسة ومرشد طلابي لهما دور فاعل في القضاء على فكر الإخوان المسلمين في المدارس، وتقريرا ثالثا تلفزيونيا يُبين دور وزير التعليم في حرب فكر الإخوان المسلمين والأذى الذي طاله بسبب تنظيفه للمدارس من الفكر المتطرف والمؤدلج الذي تم زرعه في الطلاب!!

جميع ما ورد أعلاه لم يُذكر معه كيف تم هذا وما آلياته، ولم تذكر أي من تلك التصاريح أعداد أو نسب أو أسماء تخص هذا الفكر المتطرف، فالمتلقي ينتظر قائمة أسماء لمن يحمل الفكر الإخواني والذين تم إبعادهم عن التعليم بعد ثبوت نشرهم لهذا الفكر، وهل لدى وزارة التعليم رقم لنسبة انتشار الفكر المتطرف بجميع أشكاله في مؤسسات التعليم على اختلافها سواء منسوبين أو طلاب من الجنسين؟

إن من يتأمل حال بعض المدارس والجامعات ويقرأ بعض الأسماء التي تم تمكينها أو استمرارها في سلك التعليم – منسوبين أو إداريين بيدهم القرار – سواء مواطنين أو مقيمين يسأل كيف تم تنظيف المدارس والجامعات منهم؟ فها هي بعض الجامعات الحكومية والأهلية مستمرة في توظيف مقيمين يُعرف عنهم حملهم للفكر الإخواني المتطرف ونشرهم له بين الطلاب أو إعادة تدوير المواطن منهم في المناصب، وبعض المدارس تعج بكوادر تعليمية يُعرف عنها في مشاركاتها في وسائل التواصل الاجتماعي ونقاشاتها داخل الصف مع الطلاب وغيرها نشرها للامتعاض وعدم الرضا وشيطنة الحكومة والقيادة، ليقف المتأمل حائرا في ماهية التنظيف المشار إليه وعلاقة تغيير كلمة قائد ومرشد بتغيير الفكر الإخواني، علما أن تغير الفكر تحديدا لا يتم في يوم وليلة ولا بين عشية وضحاها ولا يمكن أن يتم بتغيير مسمى ولا بمدة قوامها سنتان فقط.

وهنا يقفز للذهن سؤال هام : بماذا تختلف وحدات التوعية الفكرية في كل إدارة تعليم عن سابقاتها من الوحدات المشابهة والتي أنشئت لنفس الغرض ؟ وهل سيتسرب إليها أصحاب الفكر المتطرف كسابقاتها؟ وما آليات ضمان حماية الوحدات الحالية من الوقوع في نفس المطب؟

وكأن الأفكار يعاد تدويرها مع اختلاف المسميات، ولا جديد تحت الشمس!

يَجُبُّ ما قبله!

كما أن الطرح الجديد لوزارة التعليم عند الحديث عن أي مشروع تقدمه يحمل نفَساً غريبا إلى حد كبير لم نعتده في العمل المؤسسي السعودي والذي يقوم على الاحترام والتقدير لمن وما قبله والتمهيد لمن وما بعده.

وبالنظر لمشاريع التطوير التي تناولها معالي وزير التعليم مؤخرا في مؤتمر صحفي -كان هو النجم الأوحد فيه وكنت ككثيرين غيري من أولياء الأمور أطمح إلى سماع المشاركين في تلك المشاريع للإجابة عن تساؤلات كثيرة لم يستطع الوزير الإجابة عليها– وكذلك في لقاء معالي الوزير مع “زملائه وزميلاته من المعلمين والمعلمات” بَيَّنَ معاليه أن الوزارة عملت على مدى سنتين على خطة تطوير حقيقية وعميقة للمنظومة التعليمية بكافة عناصرها وأن تطوير المناهج لا يزال مستمرا.

والأهم من ذلك كله أن معالي وزير التعليم يؤكد في كل لقاء له على أن ما تقوم به الوزارة في عهده هو الحقيقي والعميق والأصلي، وفي هذا تهميش واضح لجهود من سبقه في محاولات التطوير والتغيير، ولا يخفى علينا جميعا أن منهم من واجه حربا ضروسا شعواء من أصحاب الفكر المتطرف وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل ولا أظن دور سموه يخفى على معالي الوزير والذي كان نائبا له آنذاك.

كما أنه لا يمكن التغاضي عن أن جميع المشاريع التي طرحها معالي وزير التعليم هي مشاريع بدأها سابقوه ورأت النور في عهده وأبرزها تدريس التفكير الناقد والفلسفة ورياضة البنات وبرامج تطوير المعلمين وابتعاثهم للخارج وغيرها كثير.

شهر عسل..

إن شهر العسل الذي لم يعهده الجمهور بين وزارة التعليم والإعلام يثير استغراب المهتمين ومن لهم علاقة بالتعليم، فها هي أعرق الصحف تُسَخِّرُ أقلام كُتابها لمدح ما لم تُقس نتائجه، واختفى السخط المعتاد لقرارات مصيرية تخص المعلمين ابتداء من لائحة رتب المعلمين مرورا بزيادة عدد أيام الدراسة لتكون طوال العام وانتهاء بغياب تطوير فعلي للمعلم بدلا من إهدار المليارات على تطوير المناهج الذي لم يتضح الهدف منه خاصة أنها لم تلبث أن مرت بمراحل تطوير لم تتوقف ومعظمها على ما يبدو إعادة تعليب لما هو موجود.

كما أن قضايا التعليم اختفت عن طاولات البرامج الحوارية التي كانت شغلها الشاغل لينتقل مقدموا تلك البرامج من الطاولات الحوارية لطاولات مؤتمرات الوزارة الصحفية!!

ما هذا الهدوء في الحديث عن تحديات التعليم عن بُعد والاختبارات وكيفية تقدير الدرجات؟! وعند الحديث عنه من قبل البعض يأخذك إلى عالم وردي ساحر لا كدر فيه ولا سهر، كيف اختفت أصوات المعلمين وإدارات التعليم للحديث عن تحديات أو عدم رضا تخص أداء الوزارة؟ أين أصوات بعض الشكاوى المتعلقة بقرارات الوزارة التي كانت تضج بها الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي؟!

أقول هذا بناء على ما طالني من تهديد هاتفي وحظر شبكي؟ فهل طالهم ما طالني!

نعم فلقد تعرضت قبل سنتين لتهديد صريح من أحد أفراد الاتصال المؤسسي في وزارة التعليم لمجرد ظهوري في أحد البرامج للحديث عن “الروضة الافتراضية”، حيث طلب رقم هاتفي للتواصل معي لأتفاجأ به يحدثني بأسلوب فَضّ آمِر يطلب مني عدم الظهور في وسائل الإعلام إلا بعد أخذ موافقة الوزارة ، وقد سبقتْه إحداهن بحظري لمجرد إبداء رأيي بأحد البرامج الوزارية وهددتني بنفس الطريقة عن طريق الوتس أب طالبة مسح تغريداتي، وقد تم رفع شكوى عليهما حينها -من سنتين- برقم وتاريخ لمعالي وزير التعليم ولا تزال الشكوى تائهة في دهاليز الوزارة كغيرها من الشكاوى التي لم تجد طريقها.

عدا عن تسلط بعض الأقلام الوفية للوزارة لكل من ينتقد.

هذا ما حدث لي وأنا لست على ذمة الوزارة فلا لوم على من سكت وهو على ذمتها، أترك لكم تخيل حال من يفكر مجرد تفكير بالنقد أو الامتعاض أو حتى تقديم مقترحات تحسين.

شهر عسل فاخر من نوع مختلف بين التعليم والإعلام يستحق الدراسة والتمعن والإبحار!

للتأمل: كيف للوزارة تدريس التفكير الناقد ويضيق صدرها من الأصوات ذات النقد البناء – بالرغم من تناقص عددها مؤخرا- حيث لا يظهر على الساحة في الغالب سوى الإطراء ولا شيء سواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *