الرأي

ليتكم علمتوني!

حنان الحمد

كاتبة وباحثة في مجال الاستشارات التربوية والتميز المؤسسي

“ليتكم علمتوني!”.. جملة قالتها بصوت خافت تلك السيدة المثقلة بالتعب والهموم، قالتها وهي تستمع لإجابة أحد المسؤولين على سؤالها، عادت بها تلك الإجابة إلى عقدين من الزمن عندما كانت شابة متألقة تحلم بأن تكون زوجة وأم ، لم تشترط في زوج المستقبل حينها سوى “دينه وخلقه”، اعتقدت أن الأسرة لا تحتاج سوى زوج متدين يخاف الله وعلى خُلق، لم تلق للمال بالاً فمقولة “خذوهم فقراء يغنيهم الله” جعلت المال آخر همها، ومع كل سنة قبل الزواج يتقدم بها العمر مع تعليقات من حولها، كل ذلك لم يجعلها توافق على الارتباط بغير ابن وطنها حتى مع إغواء بنات إبليس بأنها ستكون صاحبة الكلمة العليا ، ومع ذلك كله ظلت مترددة، إلى أن لاح في الأفق نظام يمنح أبناء السعوديات حق معاملة السعودي من ناحية التعليم والصحة والتوظيف في القطاع الخاص، كان هذا النظام بمثابة الضوء الأخضر لتتخذ قراراً يهب ذريتها حياة مستقرة، لقد كان هذا النظام صمام أمان لها بعد الله لتقدم على ما لا تحمد عقباه، فلا هي التي قرأت النظام كاملا، و لم تتوقع أن يكون هذا النظام مرتبطا تنفيذه بها وببقائها على قيد الحياة، أما بعد مماتها فإن كل تلك الميزات ترافقها إلى قبرها.

لم يدر في خلدها أن الحياة قصيرة ولا شيء يدوم على حاله، فلا هي أحسنت الارتباط بزوج يحمل جواز سفر يضمن لأبنائها الحد الأدنى من الحياة الكريمة، كما أنه لم يدم زواجها، ثم تركت وظيفتها مضطرة بعد أن ذهبت عافيتها، أما أطفالها فجاؤوا إلى الدنيا وهم لا يعلمون أنهم سيتحملون تبعات اختيار أمهم ، التي أخذت على عاتقها تربيتهم على حب وطنها وليكونوا أبناء مواطنة صالحين، لكن لم تعلم ولم يعلموا أنه لتستمر حياتهم الكريمة لابد من بقاء أمهم المواطنة على قيد الحياة ، فبموتها سوف يصدمهم واقع أنهم أجانب ولسان حالهم يقول “عزيز قوم ذل”!!

“ليتكم علمتوني!” عندما سمعها المسؤول قال مستغربا ماذا كنت ستفعلين؟ أجابت: كنت سأفضل البقاء في بيت أبي متحملة تعليقات المجتمع التي لم تنته حتى بعد زواجها بغير سعودي – فلم تسلم من محيطها ولا محيطه – كنت سأتجنب زيادة عدد البؤساء على هذه الأرض ممن يحملون جوازات سفر تصنيفها أقل من جواز سفري كسعودية!، كنت سأجيب من قالت تزوجي غير سعودي – لتتحكمي فيه و قامت هي بتأمين جنسية سعودية لأطفالها ولزوجها الأجنبي – “قاتلك الله على نصيحة إبليس”، كنت لن أستخير بل سأرفض أي رجل لا يحمل نفس جنسيتي أو جنسية أقل ميزات من جنسيتي، كنت و كنت وكنت وكنت!

“ليتكم علمتوني!” وبدأتم بكتابة النظام من حيث ينتهي لا من حيث يبدأ ؛ لتتنبه بنات وطني قبل أن يُقدمن على مغامرة ضحاياها أشخاص بريئون لا ذنب لهم، ليت النظام اشترط أن لا يكون الأجنبي المتقدم للزواج من سعودية يحمل جوازا ذا تصنيف متدني دوليا ، واشترط أن يكون جوازه من نفس مستوى الجواز السعودي أو أعلى.

التمس العذر للدولة بصعوبة تجنيس أبناء المواطنات بالمطلق ؛لأن هناك فئة كبيرة جدا تجد ضالتها في الزواج من مواطنة – خاصة قريباتهم – لتحسين ظروف حياتهم المادية وتأمين امتداد لهم ولنسلهم لتتغير ديموغرافية السكان.

وطبق المثل الدارج “الشر يعم والخير يخص”، لم يتضمن النظام حق التجنيس النوعي لأبناء المواطنات وفق معايير مدروسة غير المعتمدة حاليا ، كما لم يمنحهم ميزات دائمة ولم يمكنهم من الاستفادة من راتبها التقاعدي.

“ليتكم علمتوني! ” قالتها وهي ترى أن مواطِنها الرجل يتقلب في نعيم ميزات المواطَنة أكثر منها كامرأة ، ولا يعاني أبناؤه من جنسية أمهاتهم الأجنبيات التي يعم خير زوجها عليها ليصل إلى سابع جد في عائلتها، محظوظة الأجنبية التي تأخذ ابن وطني، فحتى بعد رحيل زوجها للقاء ربه تظل حياتها مستقرة بل تُعامل كأم مواطن، لها كل احترام وتقدير بغض النظر عن جنسيتها أو جوازها، لله درك يا ابن وطني كم أنت محظوظ؛ لكن لحظة هل يمكن لبناته أن يتزوجن من عائلة أمهاتهن ليدخلهن هذه الدوامة، وليصبحن نواة لبؤرة العوائل ذات النسل اللامتناهي القائم على أمل تجنيس أبناء السعوديات ليختلط الحابل في النابل مرة أخرى؟

“ليتكم علمتوني!” أتمنى ألا تقولها مواطنة سعودية أخرى، أتمنى أن لا تقف مواطنة سعودية تزوجت من أجنبي وأنجبت منه حائرة خائفة على أبناء علمتهم حب هذه الأرض، واستثمرت فيهم ليكونوا أوفياء لها، لتُوضع في سلة نظام واحد مع من اتخذ الزواج من ابنة خالته وابنة عمته وسيلة لتحقيق أهداف مادية او سياسية أو أيا تكن، “حالة مؤقتة” هي ما يمكن أن يُطلق على ماتضمنه نظام أبناء المواطنات، هذا النظام بحاجة ماسة إلى أن تعيد الجهات المعنية صياغته ليكون “حالة دائمة” تُميز بين من يستحق ولا يستحق الحصول على جنسية والدته السعودية، أو أضعف الإيمان بأن يمنح اولاد المواطنة -التي ابتليت بالزواج من أجنبي يحمل جنسية أقل من الجنسية السعودية -إقامة دائمة، حينها قد تشعر المواطنة بأن أبناءها بأيد أمينة و تُعامل إلى حد ما بالمساواة مع مواطنها الرجل المتزوج من أجنبية، مما يجعلها لا تخشى أن ترحل عن الدنيا تاركة وراءها تركة بشرية لا ذنب لهم إلا أنهم “ليتهم علموا أمهم قبل أن تسأل ماذا سيحدث لأطفالي بعد أن أموت؟!”.

4 ردود على “ليتكم علمتوني!”

  1. يقول سارة ابنة مواطنة:

    طرح رائع واقرب مايكون للواقع تطرقتي باسلوب راقي لايصال جزء من معاناة المواطنة وابناءها
    اتمنى التطرق لدور الام الاساسي في تربية هؤلاء الابناء وغرس الوطنية فيهم
    احسنتي بصياغة السؤال ليتكم علمتوني؟؟ على لسان المواطنة
    انا اعتبر نفسي سعودية للنخاع ولكن الحقيقة اني ابنة مواطنة سعودية اطال الله في عمرها

  2. يقول أ د . محمد اللحيدان:

    مقال رااائع وطرح مميز بأسلوب وعرض راق وجديد لموضوع عرض مرارا من قبل
    عرض جاد جاء بأسلوب خانق وزوايا حادَّة تفيض بالمشاعر ويغمرها العقل ،
    مقال مليء بالعاطفة الجياشة ومع ذلك عقلاني متزن

  3. يقول ألو عبدالله:

    كم كبير من ااعواطف المشحونة تغرورق منها العيون ، مع عقلانية شديدة في سبر أغوار المشكلة واقتراح الحلول

  4. يقول أ د محمد اللحيدان:

    مقال رائع ودقيق يعرض لمشكلة نوقشت من قبل مرارا لكنها لم تعرض بمثل هذا الأسلوب وبهذه الطريقة والبعد ومن هذه الزوايا الحادة والخانقة في نفس الوقت
    مقال مليء بالمعاني والعواطف التي تصل للقلب مباشرة وتصيبه في مقتل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *