خربشة ومغزى

” الخليج العربي في نظر الجيولوجيا والتاريخ والتوطن البشري “

أحمد بن عبدالله الحسين

الدارس لجيولوجيا الخليج العربي
يدرك أن بحر الخليج العربي كحال معظم بحار العالم لم يتشكل بفعل البشر بل تكون نتيجة نشاط جيولوجي، ومعرفة ذلك التكوين والنشأة الجيولوجية تتطلب مراجعة الدراسات الطبوغرافية والكشوفات العلمية المختصة بمنطقة الخليج في العصور القديمة. هذه الدراسات تبين أن جزيرة العرب كانت محاذية للقارة الإفريقية ولم يكن الخليج أو البحر الأحمر حينها قد تكون وانبثق، والنظرية الجيولوجية العلميه هذه تقول:

إنه في الزمن الماضي لملايين السنيين وهي مراحل تاريخية مفصلة ومُعرّفه عند المختصين أن سبب تكوين الخليج، بدأ عند نشوء جبال الألب والتي أمالت أرض الجزيرة نحو الشرق وحدث منها نشوء جبال عُمان، بعدها بزمن سحيق حدث تغير جيولوجي آخر وهو انفصال المنبسط العربي أي جزيرة العرب عن المجنّ (الغلاف الصخري) الأفريقي الذي انشق به البحر الأحمر ، وتكون بينهما وتزامن ذلك مع اندفاع المنبسط العربي واصطدم بالمنبسط الآسيوي فالتوى الجانب الشرقي من الجزيرة العربية ليحدث هبوطا إلى الأسفل ما دون مستوى سطح البحر، ليتشكل قعر هو الخليج العربي. هذا الخليج العربي ظل يغذية منذ نشوءه الجيولوجي والى الوقت الحاضر نهران عظيمان هما دجلة والفرات مع التدفق الذي يأتية من مياه المحيط الهندي.

بسط هذا الحديث تفصيلا
كتاب “الخليج العربي في العصور القديمة” للمؤلف دانيال بوتس الباحث والعالم الآثاري الأسترالي. لذا الخليج العربي ولادته قديمه متداخله فيما حصل جيولوجيا لجزيرة العرب وسبق بأزمنة ساحقة قدوم الأعراق الآرية ومنهم الفرس بما فيها توطنهم في أرض يحدها الخليج العربي.

أما الخليج العربي
في نظر التاريخ وهو معلوم لدى المختصصين بالسلالات البشرية ونشوئها أن جزيرة العرب كان فيها توطن قديم في التاريخ سابق بكثير لأزمنة قدوم الأعراق الآرية التي أخذت الجوار لاحقا لجزيرة العرب. وهذا الاستقصاء دللت عليه الآثار المكتشفة والتي بعضها يعود إلى ما قبل الميلاد 8000 سنة، تلك الفترة الزمنية يُعرفها علماء الأرض بالفترة الرطبة أو المورقة والخصبة في الجزيرة العربية، والتي بعدها بأزمنة طويلة عقبتها فترات الجفاف والتصحر. ذكر ذلك المؤرخ الأمريكي روبرت هيلند في كتابه “تاريخ العرب في جزيرة العرب” بقوله:
” مع أن جزيرة العرب تخلو الآن من البحيرات والأنهار فإن هذا لم يكن الحال دوماً إن أقنية الحت العميقة لوديان الأنهار الرئيسة إضافة إلى المراوح الحصبائية الضخمة المتصلة بها تدل على وجود مياه أمطار هائلة ومن ثم في أزمنة معينة على الأقل وجود مستوى مرتفع من الهطل المطري إن ما يوحي أيضاً بوجود بيئة خصبة نسبياً في الماضي هو وفرة البقايا النباتية والحيوانية إذ تشمل هذه الأخيرة أفراداً من فصائل الزرافة والأبقار والخنازير والتماسيح ووحيد القرن وكذلك الأسود والفيلة وحمار الوحش وأبقار البحر لقد دامت الفترة الرطبة الكبرى الأحدث عهدا من نحو عام 8000 ق.م إلى عام 4000 ق.م ”

الفُرْس
وفق المصادر التاريخية والجغرافية لأصولهم ونزوحهم، فإنهم ليسوا القدماء الأصليين من سكَّان ما يسمى بلاد فارس أو إيران الاسم الحديث لتلك الجغرافية.
العيلاميون في الألفية الثالثة (2700 – 539 ق.م) هم أول من توطن منطقة الأحواز وأسسوا حضارة عيلام القديمة وهم أقوام نزحوا من جزيرة العرب، التاريخ لم يعرف أبدا أن الفرس كانوا من بين العيلاميين أو لهم أي حضور يذكر في تلك االأزمنة.
ووفق التوثيق التاريخي فإن دخول الفُرْس كان حينما أسسوا الإمبراطورية الأخمينية (559 – 331 ق.م) وهذا يعتبر متأخرا جدا عن الحضارة القديمة لعيلام وكذلك غيرها من الحضارات الأخرى المجاورة لها سواء في بلاد الرافدين أو غيرها من البلدان والتي سبقت الأخمينيين بآلاف السنين مثل أكاد، وسومر، ودلمون، ومجّان، ووادي السند او هارابا نسبة الى مدينة هارابا الباكستانية.

موطن الفرس الأصلي
هو سهوب جنوب روسيا غرب الأورال في منطقة بحر الخزر أو ما يسمى منطقة بحر قزوين، ولقد توالت هجرات قبائل الفرس الآرية من منطقة جنوب روسيا إلى هضاب سموها فارس قرب مدينة شيراز حاليا.

وبهذا التمهيد لجيولوجيا الخليج
ومن الذين توطنوا على سواحله في التاريخ القديم يأتي السؤال المنطقي والتاريخي : إذا كان الظهور الفارسي الأخميني كدولة أو حتّى كإمبراطورية على مسرح التاريخ القديم لا يتجاوز خمسمائة سنة قبل الميلاد، بينما التوطن العربي في جزيرة العرب يعود إلى 8000 سنة قبل الميلاد بل وقبله ، وأن فترة الازدهار الحضاري تعود إلى ما بين الألفية الرابعة والثالثة قبل الميلاد في عصر أكاد وسومر وكليهما في وادي الرافدين، ودلمون في جزيرة البحرين، ومجان وتنسب إلى أرض مجن الواقعه في أبوظبي ،وأم النّار نسبة إلى جزيرة أم النار في أبوظبي، وملوخا وهي لآثار مدينة لها شان في الشارقة، وعيلام في الأحواز .

كلُّ هذه الحضارات والمدن
ذات الأثر كانت قبل الظهور الفارسي بأكثر من 2000 سنة تقريبا إذا أخذنا بالافتراض الأقل في التأصيل الزمني، فمن أين إذاً جاءت أحقية الفرس في تسمية بحر الخليج العربي بالفارسي وهم من وفدوا متأخرا على هذه الجغرافية؟!

اللبس في مسمى الخليج العربي
وقع فيه وَهَم دونما استقصاء أو دراية تأصيلية لهذه التسمية الفارسية التي حدثت، وذلك حينما أرسل الأسكندر المقدوني أسطوله بقيادة نياركوس إلى المحيط الهندي ليكتشف آفاقا جغرافية منابع الشمس. تلك الرحلة تُعد مغامرة بحرية علمية في القرن الرابع قبل الميلاد.
نياركوس هذا في طريق عودته من الهند اتجه إلى العراق عبر الخليج ليسبر غور مياهه ولتقصي مصب الفرات، ثم بعدها تبع بأسطوله مجرى نهر قارون ليحط رحاله عند مدينة سوسة عاصمة دولة العيلاميين التي استحلها الأخمينيون الفرس آنذاك. الإسكندر وهو في انتظار الأميرال نياركوس في رحلته التي لم يتعرف إلا على الساحل الشرقي للخليج العربي جهة بلاد فارس، والساحل العربي كان مجهولا عنده حينها أطلق الإسكندر على الخليج الفارسي وبقي هذا متداولا لعصور تلت. وبالطبع احتذى الفُرْس بهذه التسمية التي تواكب طموح، ورغبة عملقة طالما سعوا إليها واعتقدوا استحقاقها الهش إلى يومنا هذا.

رد واحد على “” الخليج العربي في نظر الجيولوجيا والتاريخ والتوطن البشري “”

  1. يقول جلوي محمد القحطاني:

    سرد ممتع ومعلومات بكر بالنسبة لي تنم عن العمق الكبير لثقافة الكاتب شكرا لله ان ساق لي كاتب يحتوي ذائقتي كقارئ 🌹🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *