الرأي

فقدان حاسة الشم.. ما هو أبعد من كورونا!

محمد الدخيل

كاتب وناقد سعودي

“لا تسمح الرائحة بالتعبير عنها، لكن تقارن بسهولة بارتباطها مع غيرها من الحواس”.. (إيمانويل كانت).

من أكثر الأشياء التي جعلتني أحرص على أخذ لقاح ضد فيروس كورونا خوفي على حاسة الشم أن تتأثر أو تنعدم لدي كما حدث مع بعض من أصيبوا بفيروس كورونا. الرائحة (خطر لي هنا أن أتساءل كيف جاءت التسمية، وهل هي من الرواح أم من الراحة أم ماذا؟

خطر لي أيضا كم تبدو الكلمة جميلة صوتيا، تمثل لي واحدة من أهم الأدوات التي اكتشف من خلالها العالم حولي وأشكل رؤيتي وموقفي من الناس والأشياء.

وبقدر فقدان اللغة للكلمات التي تعبر عن الرائحة وتصف أنواع الروائح (وهي ملاحظة تدعو للتساؤل) بقدر ما يبدو أثرها عميقا في أدمغتنا فيما يتعلق بالمشاعر والذكريات، وكما ما قادتني الرائحة الى تجارب رائعة وأدت تجارب واعدة في بدايتها وأجهزت عليها بشكل نهائي بسبب رائحة ما ناشزة.

لا يمكن لي أن أتخيل كيف سيكون عالمي ناقصا وبائسا دون روائح، دون عطور (تذكّرت هنا رواية العطر لسوزكيد والفيلم الذي اقتبس عنها لاحقا)، ودون حلمي أن اتنشق رائحة الرطوبة في غابات الأمازون المطيرة يوما ما؟!

وكيف لي أن أشتهي أو ألتذ بطعام لا نكهة له؟!

يقال أن كثيرا ممن فقدوا حاسة الشم “يظنون أن العالم ينقصه العديد من الألوان أو أنه يصبح باللون الرمادي ويفتقر إلى المتعة”.

حاول أن تصف لحظة لنفسك ما تشعر به وأنت تتذكر أو تتخيل رائحة عطر الزوجة وشعرها في لقائكما الأول، أو رائحة يدي الأم بعد الحناء.. رائحة الصف الدراسي في أول يوم لك في المدرسة.. رائحة الحليب في أنفاس طفلك الأول، أو رائحة حقل من الشوفان أو الشوكولا.. رائحة الهواء من على قمة سرندي .. رائحة أشجار ومزارع البرتقال في غرب اسبانيا، أو رائحة الشواء بصحبة الأحباب والأصدقاء، أو حتى رائحة الموت على بعد دقائق أو خطوات؟!

كيف يمكن لعالمي أن يكون جميلا أو معقولا وهو يفتقد كل أولئك الأشياء؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *