” كلُّ أمرٍ إذا تمَّ بدأ نقصُه “

أحمد بن عبدالله الحسين

كلُّ أمرٍ إذا تمَّ بدأ نقصُه
له فهم تعضده تراكمية، تأكد حصولها
في الحياة وكأنها ناموس وهو؛

أنَّ الشيء إذا بلغ التمام والكمال
ووصل منتهاه أخذ يزول وينقص
وأنَّ بلغت القوة ذروتها دبَّت
حينها بدايات الضعف
والرقي إذا وصل سقفه
أُذِن بأفآت التدهور بالمجئ
والغنى إذا زهى قد لا يدوم
حتى يقضمه الفقر
والسراء يخالطها ضراء
ولا ديمومة للعافية
حتى ينسَلُ منها داء
وتكاد تكون هذه التضادات
في الوصف سُنة مطَّردة عامة
تكاثرت فيها الأقوال والأمثال
واندفع بذكرها الشعراء والحكماء
وحفظتها بطون الكتب
والعرب يصفون ذلك
بأن من بلغ غاية ما يحبّ
فليتوقع غاية ما يكره

لذا الداعي له أن يقول لمن يُحب:
صرفَ الله عنك آفات التمام

والشعراء
تبصروا بأبيات كقولهم :
إذا تمَّ أمــرٌ بدا نقصُه
توقَّعْ زوالاً إذا قيل تم
أو قول آخر:
وأي شيء من الدنيا سمعت به
إلا إذا صار في غاياته انقطعا

هذه الحقيقة
لها تجليات في الكائنات
إنسان وحيوان ونبات
وظواهر كونية في شروق الشمس
وإبدار القمر
واختلاف فصول السنة
بل وتاريخ الأمم

وتتجلى كذلك
في حكاية تمرحل عمر الإنسان
حيث يُخلق من ضعف مرحلة
الطفولة والصغر
ثم يتبعها مرحلةُ الحداثة والفتوة
ليبلغ الشباب وفيها القوة
ثم يعقبها ضعف في الهرم والشيخوخة
ليعود كطفل صغير
وهذا بيان ما ذكره القرآن
” اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً
ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ”

أما الشمس والقمر
فالشمس تشرق صباحاً
وتزداد أشعتها وحرارتها
حتى تبلغ نهايتها
وهي في كبد السماء
ثم تزول وتغيب عن الأفق

والقمر
كذلك في فاتحة مطافه صغيراً
حتى يكمل إبداره
ثم يشرع في النقص
ويرجع إلى حاله الأول
في تمام شهر

وهكذا
أحوال الأمم وتداولها
شهدتها أحداث التاريخ
وتوارثتها الأفهام
وفي هذا لنا مندوحة
اقتناص دروس
ما عبَّر عنه الشاعر
أبو البقاء صالح بن شريف الرندي
المتوفى سنة 685هـ
نادباً حزيناً أمجاد عاشتها
مدينة ودولة الأندلس
فقال :
لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمورُ كما شاهدتها دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شان

وزاد راثياً:
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكُلِّ أمر لا مَردَّ له
حتى قَضَوا فكأنَّ القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ

ويختم:
دارَ الزّمانُ على دارا وقاتِلِه
وأمَّ كســرى فمـا آواه إيوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ
يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة
وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ

فهل من مُدَّكِر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *